الخميس، 10 ديسمبر 2015

هل تعرف ما يهدم الدين؟! (كتابة)


عن زياد بن حُدير قال: قال لي عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟!
قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال منافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين.
—---------------
•  تخريجه:
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (520)، والدارمي في "سننه" (1/295)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" برقم (641 - 643)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم" (2/110)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/234)، والفريابي في "صفة النفاق" (71)، والآجري في "تحريم النرد والشطرنج" برقم (48)، والبيهقي في "المدخل" برقم (833)، وابن أبي شامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (68)، من طرق عدة عن الشعبي عن زياد بن حُدير عن عمر رضي الله عنه، وإسناده صحيح.
•  فيه فوائد منها:
1- قوله: (يهدمه زلة العالم):
أ- المراد بزلة العالم السني السلفي وليس المبتدع؛ فإن الزلة لا يخرج بها الرجل من السنة.
ب- الرجل وإن كان جليلاً فهو محكوم بالكتاب والسنة.
ج- الزلة لا يتابع عليها العالم، فقد جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (وأحذِّركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضَّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق).
قَالَ يزيد: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟!
قال: (بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه، ولا يثنينَّك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع، وتلقَّ الحقَّ إذا سمعته فإنَّ على الحقِّ نُوراً)، وعليه:
* لا يتابع العالم في زلته.
* تحفظ مكانة العالم السلفي السني.
قال ابن القيم - رحمه الله – في: (ومن له علمٌ بالشَّرعِ والواقِع يعلم قطعاً أنَّ الرَّجُل الجليل الذي له في الإِسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلَّة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده؛ فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين).
د- كون الزلة تهدم الدين هذا يدل على خطورتها لذا نقل ابن عبدالبر عن بعضهم: (زلة العالِم زلة العالَم).
وقد دخل كثير من البدع على المسلمين بزلة العلماء.
2- قوله: (جدال المنافق):
المنافق هو ما اختلف فيه السر والعلن كما قاله الحسن البصري.
فإن كان اختلافاً في الاعتقاد فهو نفاق أكبر وإن كان اختلافاً في العمل فهو نفاق أصغر.
قال ابن تيمية - رحمه الله -: (فمن النفاق ما هو أكبر يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبدالله بن أُبي وغيره بأن يظهر تكذيب الرسول...، فهذا ضرب النفاق الأصغر: فهو النفاق في الأعمال ونحوها).
وقال أيضاً: (والنفاق كالكفر نفاق دون نفاق، ولهذا كثيراً ما يقال: كفر ينقل عن الملة، وكفر لا ينقل، ونفاق أكبر، ونفاق أصغر، كما يقال: الشرك شركان أصغر، وأكبر).
وقال ابن القيم - رحمه الله - في بيان أقسام النفاق: (وهو نوعان: أكبر، وأصغر؛ فالأكبر: يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل، وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذّب به).
وكذلك ابن رجب - رحمه الله – في مواضع متفوقة.
فَلَو واعدت أحداً بالحضور ثم لم تحضر وأنت قد أضمرت في نفسك عدم الحضور كان نفاقاً وأما خلافه فلا.
3- قوله: (وحكم الأئمة المضلون):
المضلون يدخل فيه الحكام والعلماء وفساد الدين والدنيا بعلماء السوء وحكام الجور كما قاله ابن المبارك.

تم بحمد الله ليلة الجمعة 28 / 2 / 1437 هــ
  بنجد – الرياض – أعزها الله بالتوحيد والسنة
كتبه: أبو عبدالرحمن صبري المحمودي
s.m.a.m3000@gmail.com

هل تعرف ما يهدم الدين؟!




الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

الإخلاص في طلب العلم وإرادة وجه الله به

 
أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة).
فمن طلب العلم لأجل المال فقط طلبه بالأسباب المحرمة، وسبب هذا والله أعلم أن في الدنيا جنة معجلة، وهي معرفة الله تعالى ومحبته والأنس به والشوق إلى لقائه وخشيته وطاعته، والعلم النافع يدل على ذلك، فمن دله علمه على دخول هذه الجنة المعجلة في الدنيا دخل الجنة في الآخرة، ومن لم يشم رائحتها لم يشم رائحة الجنة في الآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله:
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة).
"الوابل الصيب" (67).
وقال إبراهيم بن أدهم: (لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فِيهِ من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف أيام الحياة عَلَى ما نحن فِيهِ من لذيذ العيش وقلة التعب).

وأخرج الترمذي في سننه من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يجاري به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار).
فمن طلب بالعمل والعلم والزهد الرياسة على الخلق والتعاظم عليهم، وأراد بذلك أن ينقاد الخلق إليه ويخضعون له ويصرفون وجوههم إليه، وأن يظهر للناس زيادة علمه على العلماء ليعلو به عليهم ونحو ذلك، فهذا موعود بالنار؛ لأن قصد التكبر على الخلق محرم في نفسه، فإذا استعمل فيه آلة الآخرة كان أقبح وأفحش من أن يستعمل فيه آلات الدنيا من المال والسلطان.
قال الحسن رحمه الله: لا يكون حظ أحدكم من العلم أن يقال عالم.
ولهذا كره السلف الصالح الجرأة على الفتيا والحرص عليها والإكثار منها.
وكانوا يقولون: أجرؤكم على الفتيا أقلكم علماً.
قال البراء: أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله ﷺ يسأل أحدهم عن المسألة ما منهم من أحد إلا ود أن أخاه كفاه.
وليعلم من يتسارع للفتوى أنه يوقع عن الله أمره ونهيه، وأنه موقوف ومسؤول عن ذلك.

انتقاه: صبري المحمودي
18 . 2 . 1437 هجري


الأحد، 22 نوفمبر 2015

فوائد منتقاة من شرح حديث أبي الدرداء للحافظ ابن رجب رحمه الله


• ازدحم الناس مرة على باب الحسن البصري لطلب العلم فأسمعهم ابنه كلاماً، فقال الحسن: مهلاً يا بني وتلا هذه الآية:
(وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة).
وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي ﷺ وصاهم بطلبة العلم والمتفقهين في الدين.
وأخرج الترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (إن الملائكة تضع أجنحتها رضىً لطالب العلم).

• جاء في "المسند" عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا طمست النجوم أوشك أن تضل الهداة).

• شبه النبي ﷺ العلماء بالنجوم وهذا تشبيه في غاية المطابقة وذلك أن النجوم في السماء فيها ثلاث فوائد:
1- يهتدى بها في الظلمات وكذلك العلماء يهتدى بهم في الظلمات.
2- زينة للسماء وكذلك العلماء هم زينة للأرض.
3- رجوم للشياطين الذين يسترقون السمع منها وكذلك العلماء هم رجوم للشياطين الذين يخلطون الحق بالباطل ويدخلون في الدين ما ليس منه من أهل الأهواء والبدع.

• العلم النافع هو ما باشر القلب فأوقف فيه معرفة الله تعالى وعظمته، وخشيته وإجلاله، وتعظيمه ومحبته، ومتى سكنت هذه الأشياء في القلب خشع فخشعت الجوارح كلها تبعاً لخشوعه.
وأول ما يذهب من العلم العمل به وفسر الصحابة العلم بالعمل الباطن وهو الخشوع كما روي عن حُذيفة رضي الله عنه: (إن أول ما يرفع من العلم الخشوع).
وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان يقول: (إني أعوذ بالله من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع).
فالعلم الذي لا يوجب الخشوع للقلب هو علم غير نافع.

• قسم العلماء العلم إلى باطن وظاهر:
فالباطن: ما باشر القلوب فأثمر لها الخشية والخشوع والتعظيم والإجلال والمحبة والأنس والشوق.
والظاهر: ما كان على اللسان فبه تقوم حجة الله على عباده.
كتب وهب بن منبه لمكحول: (إنك امرؤ قد أصبت بما ظهر لك من علم الإسلام شرفاً فاطلب بما بطن من علم الإسلام محبة وزلفى).
ومراد وهب بالعلم الباطن هو العلم الذي يباشر القلوب فيحدث لها الخشية والإجلال والتعظيم وأمره أن يطلب بهذا المحبة من الله والقرب منه والزلفي لديه.
وأما العلم الظاهر فهو حجة الله على بني آدم كما قال النبي ﷺ: (والقرآن حجة لك أو عليك).

• وكان الثوري وغيره يقسمون العلماء إلى ثلاثة أقسام:
1- عالم بالله وهم أصحاب العلم الباطن الذين يخشون الله وليس لهم اتساع في العلم الظاهر.
وهؤلاء يخشى عليهم لقلة ما عندهم من العلم الظاهر فيسهل على الشياطين التلاعب بهم.
2- عالم بأوامر الله وهم أصحاب العلم الظاهر وليس لهم خشية ولا خشوع وقد ذمهم السلف.
3- عالم بالله وبأوامره وهم من جمع بين الأمرين وهم خلاصة الخلق وأفضل الناس بعد الرسل وهم خلفاء الرسل حقاً.
فمن معين السنة والكتاب يستقون وبهما يعملون فما وافقهما قبلوه وغير ذلك ردوه.

• حب العالم دينٌ يدان به
قال علي رضي الله عنه لكميل بن زياد: (محبة العالم دين يدان بها)، وقد جاء في الأثر المعروف: (كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً لهم، ولا تكن الخامسة فتهلك).
وبغض العالم مهلكة؛ لأن بغضهم يوجوب حب هلاكهم ومن أحب هلاكهم فقد أحب أن يطفأ نور الله في الأرض ويظهر فيها المعاصي والفساد، فيخشى أن لا يرفع له مع ذلك عمل كما قال الثوري وغيره من السلف.
ولهذا المعنى كان أشد الناس عذاباً من قتل الأنبياء؛ لأنه سعى في الأرض بالفساد ومن قتل عالماً فقد قتل خليفة نبي فهو ساع في الأرض بالفساد أيضاً.
قال تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم).
فقرن الله بين قتل الأنبياء وقتل العلماء الآمرين بالمعروف.

• قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (زيادة المعرفة بما أنزل الله على رسوله توجب زيادة المعرفة بالله والإيمان به، وجنس المعرفة بالله والإيمان به أفضل من جنس العمل بالجوارح والأركان، ولكن من لا علم له تعظم في نفسه العبادات على العلم؛ لأنه لا يتصور حقيقة العلم ولا شرفه، ولا قدرة له على ذلك، وهو يتصور حقيقة العبادات وله قدرة على جنسها في الجملة.
ولهذا تجد كثيراً ممن لا علم لديه يفضّل الزهد في الدنيا على العلوم والمعارف وسببه ما ذكرناه.
وهو أنه لا يتصور معنى العلم والمعرفة، ومن لا يتصور شيئاً لا يقر في صدره عظمته، وإنما يتصور الجاهل بالعلم حقيقة الدنيا، وقد عظمت في صدره، فعظم عنده من تركها).

• شبه الله العالم بالقمر ليلة البدر وشبه العابد بسائر الكواكب وذلك أن الكواكب لا تسير ولا يهتدى بها فهي بمنزلة العابد الذي نفعه مقصور على نفسه بخلاف القمر ليلة البدر فإن نوره يشرق على أهل الأرض جميعاً فيعمهم نوره فيستضيئون بنوره ويهتدون به في مسيرهم.

• قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (أفضل العلم العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والرضا عنه والاشتغال به دون خلقه).

• قال الشافعي - رحمه الله -: (من قرأ القران عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن تفقه نبل قدره، ومن تعلم العربية رقّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزلرأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه).

وفي هذا قال الجرجاني - رحمه الله -:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا
محياه بالأطماع حتى تجهما

"مجموع رسائل الحافظ ابن رجب" (1 / 41 - 59).

الجمعة، 13 نوفمبر 2015

مقارنة يسيرة بين أبناء الدعوة السلفية وبين (الإخوان وبني علمان)


من خلال هذه المقارنة أبين أوجه التقارب بين جماعة الإخوان المسلمين وما تفرع عنها من جماعات حزبية ضالة وبين العلمانيين، فإنهم زعموا كذباً وزوراً أن أبناء الدعوة السلفيين يدافعون عن العلمانية حتى قال قائلهم: (ليبروجامية) كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً، وإليك شيئاً من هذه المقارنة:    
1- السلفيون يرون أن نظام الحكم في الشريعة الإسلامية محصور في ثلاثة طرق، اثنان بالاختيار وواحد بالاضطرار، فولاية العهد والشورى بالاختيار والتغلب بالاضطرار.
بينما الإخوان يرون أن طريقة الحكم محل اجتهاد وغير محصورة في هذه الطرق فقط وعليه رحبوا بالنظام الغربي الديمقراطي.
وفرح بذلك بنوا علمان!!
2- السلفيون دليلهم في ذلك الإجماع وعمل السلف الصالح هو هديهم، عضوا عليه بالنواجد كما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم فلم يحرفوا ولم يبدلوا.
أمَّا الإخوان وبنوا علمان فدليلهم الهوى وحب الشهوات وضربوا بهدي السلف عرض الحائط، وهمهم أن يرضوا اليهود والنصارى وصدق الله إذ يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وصدق النبي المصطفى حينما قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه) فقلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن؟).
3- الشورى عند السلفيين محصورة في أهل الحل والعقد ولهم أدلة منها: فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما جعل الأمر في الستة الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض المبشرون بالجنة ولم يجعلها في بقية الأمة.
أمَّا الإخوان فبدلوا وغيروا حتي يرضى عنهم اليهود والنصارى - أمريكا والغرب - فالشورى عندهم هي مشاورة جميع الأمة ولو كانوا أهل بدع وفسقة وجهال، ودليلهم الهوى واتباع الشهوات ونسبوا ما حرفوه لدين الله، ودين الله منهم براء.
وفرح بذلك بنوا علمان!!
4- نظام الحكم في الشريعة الإسلامية أن الحاكم هو الذي بيده القرار، واختلف أهل العلم في وجوب مشاورته لأهل الحل والعقد ولم يختلفوا على أن العمل بها غير ملزم، وعلى هذا فعل السلف، فالخليفة الراشد أبوبكر الصديق رضي الله عنه خالفه الصحابة في إنفاذ جيش أسامة لما ارتدت معظم الجزيرة ومع ذلك لم يلتفت لهم وأنفذ جيش أسامة رضي الله عنه.
أمَّا الإخوان فالقرار عندهم بيد البرلمان ونواب الشعب والحاكم يسمع ويطيع لهم فعكسوا القضية فبدلوا وحرفوا ونسبوا لدين الله ما ليس منه، بل صرح المجرم الغنوشي - عامله الله بعدله - بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو جاء وحكم في زماننا هذا بمثل ما كان يحكم به لعده مستبداً!!
ألا لعنة الله على القوم الظالمين
وفرح بذلك بنوا علمان!!
5- السلفيون يرون أن الاستخلاف - ولاية العهد - تنعقد به الإمامة على تفصيل عندهم وشرطه وجود الشوكة ولو لم تحصل مبايعة من أهل الحل والعقد، ودليلهم في ذلك فعل صديق هذه الأمة مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد استخلفه الصديق وانعقدت له الإمامة وانعقد إجماع الأمة على ذلك، بل من أهل العلم من يرى أن هذه الطريقة هي الأصلح للأمة ومن خالف عده من أهل البدع.
قال أبو العباس القرطبي: (وهذا مما أجمع عليه السلف، ولا مبالاة بخلاف أهل البدع في بعض هذه المسائل فإنهم مسبوقون بإجماع السلف، وأيضاً فإنهم لا يعتد بخلافهم).
أمَّا الحزبيون فيرون أن الاستخلاف مجرد ترشيح ولا تنعقد به الإمامة ودليلهم في ذلك الهوى واتباع الشهوات فبدلوا وحرفوا.
وفرح بذلك بنوا علمان!!
6- السلفيون يرون جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل، فقد أجمع أهل السنة على هذا، بل ذهب إليه بعض أهل البدع.
ومما يدل على جوازه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين) يعني: أبا عبيدة وعمر وأبو بكر أفضل منهما بلا شك ولم ينكر عليه الصحابة ذلك، بل دعت الأنصار إلى بيعة سعد بن عبادة مع وجود من هو أفضل منه.
وعهد علي رضي الله عنه بالخلافة للحسن من بعده وسلمها الحسن لمعاوية رضي الله عنهما وفي بقايا الصحابة من هو خير من الحسن ومعاوية - بلا خلاف - ممن أنفق قبل الفتح وقاتل ولم ينكر عليهما أحد.
قال ابن حزم - رحمه الله - : (وهذا إجماع متيقن بعد إجماع على جواز إمامة من غيره أفضل بيقين لا شك فيه إلى أن حدث من لا وزن له عند الله تعالى فخرقوا الإجماع بآرائهم الفاسدة بلا دليل ونعوذ بالله من الخذلان).
وخالف في ذلك الإخوان فحرفوا وبدلوا وقالوا لابد من مشاورة الأمة لاختيار الأفضل فإن كل فئة عند الانتخابات لن يرشحوا إلا من هو أفضل!!
وفرح بذلك بنوا علمان!!
7- سنة التغيير:
السلفيون يرون أن التغيير يكون بالرجوع لدين الله والاستغفار والإنابة والسكينة والتضرع إليه سبحانه فهو الذي بيده مقاليد الأمور ويعلمون أن ما أصابهم من ظلم الحكام وجورهم إنما هو بسبب ذنوبهم، وتسليط الله الحكام عليهم إنما هو بلاء منه سبحانه واختبار ليعلم الصادق المطيع من الكاذب العاصي.
قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون).
ولمَّا تسلط الحجاج على الناس في زمن الحسن البصري وتذمروا من ولايته قال لهم: (إن الحجاج عقوبة من الله لكم عز وجل لم تك فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف ولكن استقبلوها بتوبة وتضرع واستكانة وتوبوا تكفوه).
أمَّا الإخوان المفلسون فصاحوا وزمجروا وقالوا لا نرضى سياسة العبيد بل نسفك الدماء وننتهك الأعراض ونسرق الأموال حتى نغير حال الأمة، فلا لدين الله أقاموا ولا لمنهج السلف صانوا، بل حرفوا وبدلوا وسموا الأمور بغير مسمياتها، فقالوا عن الخروج وشق عصا المسلمين ثورة وإصلاح (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألآ إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون), وهدموا وصية الحبيب في البلد الأمين والشهر الحرام والموقف العظيم (إِنَّ دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا فِي شهركم هذا، فِي بلدكم هذا).
ومثلهم الأعلى ودربهم الذي يقتدون به ثورة بني الأصفر، فلا لدين الله أقاموا ولا لأعراض الموحدين صانوا.
وفرح بذلك بنوا علمان!!
8- السلفيون يرون السمع والطاعة لمن ولاه الله أمرهم إلا إذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة في تلك المعصية، ولا ينابذونه في ولايته بل ينصحوا له، وطريقتهم في نصحه الأصل أن تكون سراً ولا يجوز أن تكون في العلن إلا إذا دعت المصلحة لذلك، وتكون أمامه لا خلفه كما دلت النصوص على ذلك.
أمّا الإخوان المسلمون فقالوا: لا سمع ولا طاعة إلا للإمام الأعظم، بل ننكر عليهم علانية، بالمظاهرات والاعتصامات، ولا سمع ولا طاعة حتى يقوم العدل في الأمة، وهذا هو الأصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن زعم أن النصح للإمام إنما يكون سراً فهو منافق!!
ومما استدلوا به حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى أمير فأمره ونهاه وقتله)، والجواب عليه أن يقال: إن العلماء قد تنازعوا في صحة هذا الحديث، وعلى القول بصحته فهو خارج محل النزاع، وذلك أن البحث في الإنكار عليه وراءه في مجامع الناس وفوق المنابر، أمَّا الإنكار عليه أمامه فجائز مع مراعاة المصالح في ذلك، إذ الدين قائم على جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها. 
وفرح بذلك بنوا علمان!!

هذا ما يسَّر الله كتابته، فاللهم اجعله خالصاً لوجهك الكريم، ونافعاً لعبادك المخلصين.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات 

كتبه: صبري المحمودي
29 . 1 . 1437 هجري

الأحد، 25 أكتوبر 2015

عقيدة القاضي عبدالوهاب بن نصر البغدادي المالكي

شرح القاضي عبدالوهاب المقدمة العقدية لمتن "الرسالة" التي كتبها ابن أبي زيد القيرواني – رحمه الله -, والذي يظهر لي من خلال شرحه أنه كان أشعرياً - عفا الله عنه -, وذلك لعدة أمور منها:
1- انتسابه - رحمه الله - لمدرسة المتكلمين في أكثر من موطن, ومنها قوله: ((فأمَّا حجج العقول: فقد استدل أصحابنا المتكلمون بأن قالوا ..)).
2- دراسته على كبير الأشاعرة في وقته ألا وهو القاضي أبوبكر الباقلاني, وكان يعظمه ويثني عليه حتى قال عنه: ((هو الذي فتح أفواهنا وجعلنا نتكلم)), بل يصرَّح في عدَّة مواطن من شرحه بقوله: ((قال: شيخنا, واختار شيخنا)), ونقل عنه من كتبه.
3- نفيه – رحمه الله – قيام الحوادث بذات الله سبحانه, فقال: ((ولا يجوز أن تكون ذات القديم محلاً للحوادث)), وهذا يرجع إلى دليل المتكلمين وهو ما يعرف بدليل الأعراض وحدوث الأجسام, وقد ضلت الفرق الكلامية بسببه.
4- القول بأن صفة الكلام قديمة أزلية لا تتجدد, وهذا مبني أيضاً على دليل الأعراض وحدوث الأجسام السابق ذكره, قال - رحمه الله -: ((فإذا استحالت هذه الجملة صح أنه لم يزل متكلماً, وأن كلامه غير محدث ولا مخلوق))، وهذا عين مذهب الأشاعرة, فقد أثبت في بداية الكلام الأزلية لصفة الكلام, ثم نفى ما يقابل الأزلية وهو الإحداث – التجدد -, ومما يدل على أن المراد بالإحداث التجدد أنه غاير بين الإحداث والخلق بحرف الواو, وهي تقتضي المغايرة.
5- وبناءً على ما سبق قال – عفا الله عنه – في إثبات صفة المجيء: ((فأثبت نفسه جائياً, ولا معنى لقول من يقول: إن المراد به: جاء أمر ربك؛ لأن ذلك إضمار في الخطاب يزيله عن مفهومه, ويحيله عن ظاهره, لا حاجة بنا إليه, وليس المجيء الذي أضافه إلى نفسه على سبيل ما يكون منا من الانتقال والتحرك والزوال وتفريغ الأماكن وشغلها؛ لأن ذلك من صفات الأجسام, والباري سبحانه وتعالى لا يجوز عليه ذلك, ولكن ليس إذا استحال عليه ذلك وجب صرف الكلام عن حقيقته)).
وفي هذه الجملة من كلامه:
أ- نفي الألفاظ المجملة على الإطلق دون تفصيل, والواجب نحوها هو التوقف في اللفظ والاستفصال في المعنى.
ب- اعتماده في النفي على مجرد نفي التجسيم, وهذا دليل باطل بمقدمتيه الأولى والثانية.
والمتأمل في شرحه يجد أنه بنى كلامه في الصفات على دليل الأعراض, وهذا يعد خلل في مصدر التلقي, والذي يظهر من طريقته في الإثبات أنه يسلك مسلك التفويض غفر الله له.

كتبه: أبو عبدالرحمن صبري بن مصطفى المحمودي
الرياض – 6 /4/ 1434 هجري

السبت، 24 أكتوبر 2015

وقفات مع أثر ابن أم عبد رضي الله عنه

عن عمرو بن سلمة الهمداني قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعدُ؟
قلنا: لا بعدُ.
فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر - والحمد لله - إلا خيراً.
قال: فما هو؟
فقال: إن عشت فستراه.
قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصاً، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة.
قال: فماذا قلت لهم؟
قال: ما قلت لهم شيئاً انْتِظَار رأيك أو انْتِظَارَ أمرك.
قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟
ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟
قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصاً نعد به التكبير والتهليل والتسبيح.
قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم، أو مفتتحوا باب ضلالة؟!
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم تولى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.

الوقفة الأولى: تخريجه:
أخرجه الدارمي في "مسنده" (1/286) برقم (210)، وبحشل في "تاريخ واسط" ص: (198) من طريق عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني عن أبيه عن جده.
رجاله:
1-  عمرو بن يحيى: وثقه ابن معين. انظر: "الجرح والتعديل" (6 /269).
2-  يحيى بن عمرو بن سلمة: قال يعقوب بن سفيان: لا بأس به. ووثقه العجلي. انظر: "المعرفة والتاريخ" (3/104)، و"الثقات" للعجلي (1990)، وروى عنه شعبة كما في "الجرح والتعديل" (9/176)، وكان شعبة ينتقي شيوخه الذين يروي عنهم.
3-  عمرو بن سلمة الهمداني: وثقه ابن سعد والعجلي وذكره ابن حبان في "الثقات", وابن خلفون في "الثقات". انظر: "تهذيب التهذيب" (8/42)، و"إكمال تهذيب الكمال" (10/181)، و"الثقات" للعجلي (1385)، وقال الحافظ في "التقريب" (5041): (ثقة).
والأثر له متابعات كثيرة, وقد صحح إسناد هذا الأثر الشيخ الألباني - رحمه الله - في "السلسلة الصحيحة" (2005).

الوقفة الثانية: قوله: (أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟):
في هذا أدب أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مع من هو أعلم منه وهو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وكان أبو موسى شديد التوقير والاحترام لابن مسعود، قال ابن رجب في شرح حديث أبي الدرداء: (وصح عن أبي موسى أنه قال: لمجلس أجلسه مع عبدالله بن مسعود أوثق في نفسي من عبادة سنة).

الوقفة الثالثة: قوله: (ولم أر والحمد لله إلا خيراً):
فيه أن البدعة ليست شراً محضاً ولو كانت شراً محضاً لما اغتر بها كما أشار إلى ذلك ابن تيمية في "الاستقامة" و"درء التعارض" وابن عبد الوهاب في مسائل "كتاب التوحيد".

الوقفة الرابعة: قوله: (انتظار رأيك أو قال: انتظار أمرك):
فيه عدم التقدم بين يدي أهل العلم وهذا أدب قرآني في النوازل كما قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف ..) وفعل هؤلاء يعتبر نازلة جديدة لا سابقة لها في الإسلام.

الوقفة الخامسة: قوله: (أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟):
فيه اشتغال السلف بما ينفعهم دون ما ليس كذلك فإن عدَّ السيئات نافع ليتقلل منها ويتاب منها بخلاف الحسنات فلا فائدة من عدِّها.
وفيه أيضاً ذم البدع الإضافية.

 الوقفة السادسة: قوله: (قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح):
فيه أن البدع تدخل في الوسائل كما تدخل في الغايات خلافاً للشاطبي وهو اختيار ابن تيمية في "الاقتضاء" ويدل عليه هدي السلف ومن ذلك فعل ابن مسعود هذا.

الوقفة السابعة: قوله: (ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم!):
فيه سرعة انتشار البدع لذا أدركها الصحابة وهذا من أسباب شدة السلف على البدع والمبتدعة حتى لا تنتشر وتشيع.

الوقفة الثامنة: قوله: (هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون):
فيه أن البدع تقل في الأماكن التي يوجد فيها أهل العلم.

الوقفة التاسعة: قوله: (وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر):
فيه أنه كلما قرب العهد بالنبوة قلت البدع وكذلك العكس.

الوقفة العاشرة: قوله: (والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة؟!):
هذا اللازم مضطرد في كل بدعة وفي كل مبتدع فهو ما بين أن يكون أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتح باب ضلالة، وهذا مضطرد في البدع الاعتقادية والسلوكية والدعوية وغيرها واستعمال ابن مسعود لهذا اللازم هو من باب السبر والتقسيم.

الوقفة الحادية عشرة: قوله: (وكم من مريد للخير لن يصيبه):
في هذا أن حسن النية لا يكفي للنجاة وليس دليلاً على حسن الفعل وأن من أراد النجاة فليجمع بين حسن النية وحسن العمل.

الوقفة الثانية عشرة: قوله: (إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم):
وأخرج هذا الأثر ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/553) برقم (37890) من طريق عمرو بن يحيى وفيه: (أن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ..)، فهم بعض العلماء من هذه الزيادة أن الخوراج كفار والذي يظهر أنهم مسلمون وليسوا كفاراً بل حكى شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" و"الفتاوى" إجماع الصحابة على عدم كفرهم قال - رحمه الله -: (بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم ينكر أحد على علي ذلك، فعُلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام).
"منهاج السنة" (٢٤١/٥).
ويحمل الدين في قوله ﷺ: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) على كماله الواجب أي أنهم يمرقون من كماله الواجب كما يمرق السهم من الرمية، ورى البيهقي عن علي أنه لم يكفرهم، وأخرج ابن سعد في "طبقاته" أن ابن عمر صلى خلفهم وهذا مما يدل على إسلامهم.
وما روي عن أبي أمامة أنه يكفرهم فضعيف لا يثبت.

الوقفة الثالثة عشرة: قوله: (فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج):
فيه أن البدع تبدأ صغاراً ثم تكون كباراً قال البربهاري – رحمه الله -: (واحذر صغار المحدثات من الأمور؛ فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت ديناً يدان بها، فخالف الصراط المستقيم، فخرج من الإسلام).

 كتبه: صبري المحمودي
10 . 1 . 1437 هجري

الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

المُفهِم في أحكام التجويد

بسم الله الرحمن الرحيم
التجويد:
لغة: التحسين.
اصطلاحاً: هو إخراج كل حرف من مخرجه وإعطائه حقه ومستحقه.

أحكام النون الساكنة والتنوين
النون الساكنة: هي النون الخالية من الحركات، وتكون علامتها السكون.
ففي الأسماء: (منْهمر)، وفي الأفعال: (أنْعمت)، وفي الحروف: (مِنْ).
التنوين: هو نُون ساكنة زائدة تلحق الاسم لفظاً ووصلاً وتفارقه خطاً ووقفاً، وعلامته فتحتان ( ً) أو كسرتان ( ٍ) أو ضمتان ( ٌ)، وهو مختص بالأسماء.
والمراد بهذا الباب بيان حكم النون الساكنة والتنوين أثناء قراءة القرآن، وهي أربعة أحكام: (١- الإظهار، ٢- الإدغام، ٣- الإقلاب، ٤- الإخفاء).

1- الحكم الأول: الإظهار:
• تعريفه: 
لغةً: البيان.
اصطلاحاً: هو إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة.
أي: أن النون الساكنة أو التنوين إذا جاء بعدها حرف من حروف الإظهار فإن النون الساكنة أو التنوين تخرج واضحةً بغير غنة، ولا يُسكت على النون، ولا تقطع عن حروف الإظهار.
• وحروف الإظهار هي: (الهمزة، والهاء، ثم العين، والحاء، ثم الغين، والخاء).
قال صاحب "التحفة":
              همزٌ فهاءٌ ثم عينٌ حاءُ ... مهملتانِ ثم غينٌ خاءُ
وجمعها بعضهم في قوله:
أخي هاك علماً حازه غير خاسر
فأول حرف في كل كلمة هو حرف من حروف الإظهار.
وجميعها حروف حلقية، ولهذا يسمى هذا النوع من الإظهار بالإظهار الحلقي:
١- فالهزة والهاء تخرجان من أدنى الحلق.
٢- العين والحاء تخرجان من وسط الحلق.
٣- الغين والخاء تخرجان من أقصى الحلق.
• والنون الساكنة يأتي بعدها حرف الإظهار تارة من كلمة وتارة من كلمتين بخلاف التنوين فلا يأتي إلا من كلمتين.
أمثلة:
أمثلة:
الهزة: (ينْئون)، و(منْ ءامن)، و(كلٌ ءامن).
الهاء: (مِنْهُم)، و(مِنْ هاد)، و(جرفٍ هار).

العين: (أنْعمت)، و(منْ عمل)، و(حقيقٌ علي).
الحاء: (ينْحتون)، و(منْ حكيم)، و(عَلِيمٌ حكيم).

الغين: (فسينْغضون)، و(منْ غِل)، و(عفواً غفوراً).
الخاء: (والمنْخنقة)، و(منْ خزي)، و(يومئذٍ خاشعة).

• وعلة الإظهار: هو بُعد مخرج النون الساكنة والتنوين عن مخرج حروف الإظهار فالنون الساكنة والتنوين مخرجها من طرف اللسان أما حروف الإظهار فمخرجهم من الحلق.

2- الحكم الثاني: الإدغام:
• تعريفه:
لغةً: هو الإدخال، يقال: أدغمت اللجام في فم الفرس إذا أدخلته فيه.
اصطلاحاً: هو إدخال حرف ساكن في حرف متحرك، بحيث يصيران حرفاً واحداً مشدداً من جنس الثاني.
• وحروف الإدغام هي: (الراء، واللام، والميم، والنون، والواو، والياء).
جمعها صاحب التحفة في كلمة: يرمُلون.
قال الجمزوري في "تحفته":
           والثاني إدغامٌ بستةٍ أتت ... في يرمُلون عندهم قد ثبتت
• والإدغام على قسمين:
١- إدغام ناقص: (تدغم فيه النون الساكنة مع الحرف الذي بعدها وتبقى صفتها وهي الغنة ولهذا سمي ناقصاً).
• وحروفه: (الميم، والنون، والواو، والياء)، جمعها الشيخ عبدالله أبابطين في كلمة: (يومن)، وجمعها الجمزوري في: (ينمو)، قال في "التحفة":
             لكنها قسمان قسمٌ يدغما ... فيه بغنة بـ(ينمو) علما
أمثلة:
الميم: (من مَّال الله)، و(حبلٌ مِّن مسد). 
النون: (من نِّعمة)، و(يومئذٍ نَّاعمة).
الواو: (من وَلي)، و(لساناً وَشفتين).
الياء: (ومن يَعمل)، و(وبرقٌ يَجعلون).
هذا إذا كان التركيب من كلمتين، أما إذا كان في كلمة واحدة فلا تدغم، ويسمى إظهار مطلق.
مثاله: (دُنْيَا، وصنْوان، وقنْوان، وبنْيان).
قال الجمزوري في "التحفة":
                إلاَّ إذا كان بكلمة فلا ... تدغم كدنْيا ثم صنْوان تلا
• وعلة عدم الإدغام إذا كان في كلمة واحدة: هو (مشابهته بالضعف، ولاتصاله بحروف الإدغام) كما قاله الشيخ عبدالله أبا بطين رحمه الله، والمراد بقوله: (مشابهته بالضعف) أي: أن السامع يلتبس عليه فلا يفرق بين ما أصله النُّون وما أصله التضعيف. 
تنبيه: الغنة صوت لذيذ مركب في جسم النون والتنوين والميم إذا سكنت ولم تظهر ولا عمل للسان فيها، ومخرجها من الخيشوم وهو خرق الأنف وتمد بقدر الحركتين.
2- إدغام كامل: (تدغم فيه النون الساكنة مع الحرف الذي بعدها فتذهب النون الساكنة وصفتها وهي الغنة ، ولهذا سمي كاملاً).
ووجه حذف الغنة: هو المبالغة في التخفيف، فمع بقائها ثقل على اللسان.
وحروفه: (اللاَّم، والرَّاء)، قال صاحب "التحفة":
           والثاني إدغامٌ بغير غنَّهْ ... في اللَّام والرَّا ثمَّ كرِّرَنَّهْ
وفي بعض النسخ:
والثاني إدغامٌ بغير غنَّهْ ... ورمــــزه ((رَلٌّ)) فأتقــــــننَّهْ
أمثلة:
الرَّاء: (من رَّبهم)، و(غفورٌ رَّحيم).
اللاَّم: (ومن لَّستم)، و(خيراً لَّكم).
• وعلة الإدغام: هو:
أ- التماثل في النون: والمراد بالتماثل هو اتحاد الحرفين في المخرج والصفات.
ب- التجانس في الياء والواو والميم: والمراد بالتجانس هو اتفاق الحرفين في المخرج واختلافهما في بعض الصفات.
ت- التقارب في اللام والراء: والمراد بالتقارب هو تقارب الحرفين في المخرج والصفة أو أحدهما دون الآخر.
 
3- الحكم الثالث: الإقلاب:
• تعريفه: 
لغةً: تحويل الشيء عن وجهه.
اصطلاحاً: قلب النون الساكنة أو التنوين ميماً مخفاة بغنة.
• وحروف الإقلاب وهو: الباء فقط.
ويكون مع النون في كلمة واحدة أو كلمتين، أما مع التنوين فلا يكون إلا في كلمتين.
أمثلة:
الباء: (أنبِئهم)، و(أن بُورك)، و(سميعٌ بصير).
• وعلة الإقلاب: هو صعوبة الإتيان بالغنة في النون والميم الساكنتين مع الإظهار، ثم إطباق الشفتين لأجل الباء، وصعوبة الإدغام كذلك لاختلاف المخرج وقلة التناسب، فتعين الاخفاء وتوصل إليه بالقلب ميماً. 
وخصة الميم بالقلب دون غيرها من الحروف لمشاركتها الباء مخرجاً, والنون صفة.  

4- الحكم الرابع: الإخفاء:
• تعريفه:
لغةً: الستر. 
اصطلاحاً: النطق بالنون الساكنة والتنوين بصفة بين الإظهار والإدغام بدون تشديد مع بقاء الغنة.
• وحروف الإخفاء هي: (التاء، الثاء، الجيم، الدال، الذاء، الزاء، السين، الشين، الصاد، الضاد، الطاء، الظاء، الفاء، القاف، الكاف).
وقد جمعها صاحب "التحفة" في أوائل كلمات هذا البيت:
      صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما ... دم طيباً زد في تقى ضع ظالماَ 
أمثلة:
الصاد: (منصُوراً)، و(أن صَدوكم)، و(عملاً صَالحاً).
الذاء: (منذِر)، و(من ذَكر)، و(سراعاً ذَلك).
الثاء: (منثُوراً)، و(من ثَمرة)، و(نمتعهم قليلاً ثُم).
الكاف: (منكُم)، و(من كَان)، و(ناصيةٍ كَاذبة).
الجيم: (أنجَيناكم)، و(إن جَاءكم)، و(صبراً جَميلاً).
الشين: (المنشِئون)، و(لمن شَاء)، و(غفورٌ شَكور).
القاف: (ينقَلب)، و(وإن قِيل)، و(عليماً قَديراً).
السين: (منسَأته)، و(من سُلالة)، و(سلاماً سَلاماً).
الدال: (أندَاداً)، و(من دَآبة)، و(عملاً دُون ذلك).
الطاء: (ينطِقون)، و(من طَيبات)، و(صعيداً طَيباً).
الزاء: (أنزَلناه)، و(فإن زَللتم)، و(نفساً زَكية).
الفاء: (انفِروا)، و(من فَضله)، و(سبلاً فجاجاً).
التاء: (منتَهون)، و(من تَحتها)، و(جناتٍ تَجري).
الضاد: (منضُود)، و(قل إن ضَللت)، و(مسفرةٌ ضَاحكة).
الظاء: (انظُروا)، و(من ظَهير)، و(ظلاً ظَليلاً).
• وعلة الإخفاء: هو انعدام قُرب المخارج الموجب للإدغام وبُعد المخارج الموجب للإظهار، فكان الإخفاء وسطاً بين الإظهار والإدغام.
• والفرق بين الإخفاء والإدغام أن الإخفاء لا تشديد معه مطلقاً بخلاف الإدغام، والإخفاء يكون عند غيره لا في غيره بخلاف الإدغام فيكون في غيره لا عند غيره، فتقول: أخفيت النون عند السين لا في السين، وأدغمت النون في اللام لا عند اللام.
• ويسمى هذا الإخفاء إخفاءً حقيقياً لانعدام ذات الحرف المُخْفَى – النون الساكنة والتنوين – وإبقاء صفته التي هي الغنة.

وكتبه: أبوعبدالرحمن صبري المحمودي
١٠ . ٩ . ١٤٣٦ هجري

الرد المفحم على تعقبات المدعو أحمد النجار لمقالي (متى يخرج الرجل من السنة إلى البدعة؟)


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد بلغني رد المدعو أحمد النجار على مقالي "متى يخرج الرجل من السنة إلى البدعة؟" فأحببت أن أبين بعض الأمور التي ظنها خطأ أو خلطاً كما سماها الراد فأقول مستعيناً بالله طالباً منه سبحانه التسديد في القول العمل وأن لا يجعل بياني هذا انتصاراً للنفس بل توضيحاً ونصحاً للراد وغيره:

قال عفا الله عنه: (جوابي عنه مجمل ومفصل.
ومحل الجواب: في السني الذي وقع في بدعة, لا في المبتدع الأصلي).
قلت: لقد جعلتُ للمقال عنواناً وهو (متى يخرج الرجل من السنة إلى البدعة) فالمسألة التي تناولها المقال قد بينها هذا العنوان، وهو أن الرجل السني السلفي إذا وقع منه خطأ فهل هذا الخطأ يخرجه من السنة؟ ومتى يخرجه؟
والمخالف عموماً إما أن يخالف في قاعدة كلية تندرج تحتها مسائل وفروع أو في جزئي لا يندرج تحته شيء، وهذا الجزئي إما أن يكون قد اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وبين أهل البدع أولا؟

ومن المتقرر أيضاً أن الأخطاء على مراتب:
فمن الأخطاء ما إذا وقع فيه الشخص كفر مباشرة كسب الرب والعياذ بالله.
ومن الأخطاء ما يبدع بها الشخص ويخرج بها من السنة إلى البدعة وهذا محل البحث.
ومن الأخطاء ما يناصح فيه الشخص ولا يثرب عليه ويبقى معنا في دائرة الإسلام والسنة.

قال النجار عفا الله عنه: (أما الجواب المجمل فمن وجوه:

الأول: حصل في هذا الكلام خلط بين البدعة كوصف وبين تنزيلها على المعين.
وهذا بعيد عن التأصيل؛ لأن البدع مقتضية للحكم لا موجبة، فليس مجرد الوقوع في البدعة يكون صاحبها مبتدعا, بل لابد من توفر الشروط وانتفاء الموانع).

قلت: هذا الذي ذكر أنه خلط هو في الحقيقة محل النزاع، فقد بينت في المقال أن السلف رحمهم الله تعاملوا في باب البدعة بغير التعامل الذي تعاملوا به في باب التكفير والتفسيق، وإن كان التكفير والتفسيق والتبديع كلها من باب الأسماء والأحكام، لكن السلف هم الذين فرقوا، ولا أظن الراد يجهل أن فعل السلف حجة، وسأوضح هذا في بقية الرد.

قال النجار عفا الله عنه : (الثاني: متناقض غير منضبط).

قلت: أما هذه فأتركها للقارئ الكريم فهو الحكم!

قال النجار عفا الله عنه : (الثالث: بعض الكلام ليس مرتبا, ولا متسقا بما قبله وما بعده, مثل " وذلك أن أهل العلم لم يكتبوا ويرووها لنا ما جرى منهم").

قلت: هذه العبارة احتوت على أمرين:
الأمر الأول: وصفه للكلام بأنه غير مرتب ولا متسق، ولعل هذا الكلام أصاب شيئاً في نفسي فالله أسأل أن لا يصيبه حظ نفسي، وكان الواجب عليه في ظني أن يقول: وأما هذه الجملة أو هذه العبارة لم تتضح لي أو لم يتبين لي وجهها ونحو هذه العبارات بدلاً من الترفع في الكلام. 
الأمر الثاني: فإني أردت بهذه العبارة أن أبين حجية هذا التقرير الذي ذكرت، فقلت إن السلف رحمهم الله لم يكتبوا لنا ما جرى بينهم وبين أهل البدع في كتب السنة عبثاً، وإنما كانت على وجه البيان لمنهج سلكوه في زمن ظهور البدع، والعبرة بمجوعها لا بآحادها، ولقد رأينا بعضهم ردها جملة وتفصيلاً وقال لا تلزمني، وكذلك رأينا من غلا فيها وأعملها على خلاف ما أراد السلف رحمهم الله.

قال النجار عفا الله عنه: (أما الجواب المفصل فمن وجوه:) ثم قال: (عدم المعرفة الدقيقة بمعاني هذه الأسماء؛ لأن البدعة عند الأئمة نوع من أنواع الفسق, قال ابن القيم في المدارج: (( وهو قسمان فسق من جهة العمل وفسق من جهة الاعتقاد ... وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع )) فإذا كان التفسيق موافقا للتكفير في قيام الحجة, فكذلك التبديع؛ لأنه نوع من أنواع التفسيق.

وهذا وحده كافٍ في إبطال الكلام من أصله).

قلت: كلام ابن القيم رحمه الله اشتمل على الفسق بنوعيه، والراد يريد أن يقول أن البدعة نوع من الفسق، والتفسيق لابد له من توفر الشرط وانتقاء المانع بإطلاق، ولكن هذا يخالف ما قرره الراد في رسالته "تبصير الخلف" أن الرجل إذا خالف في مصدر التلقي فإنه يبدع مباشرة ولا يشترط إقامة الحجة عليه أما إذا كان مصدر التلقي عنده سليماً فلا يبدع إلا بعد إقامة الحجة عليه ولو خالف في أصل من أصول السنة فما قاله هو عين التناقض وكان الواجب عليه هو توجيه كلام ابن القيم توجيهاً يتوافق مع ما أصله.
وكلام ابن القيم يلزمه في كل من وقع في البدعة لأنها نوع فسق، فعلى تقريره يكون قيام الحجة في كل بدعة ولو كانت مخالفة في مصدر التلقي فتنبه.

فإذا قلت أن هناك ضوابط تُخرج من خالف في مصد التلقي فيقال هذا لازم لك في كل تفريق.

تنبيه: أكثر أهل البدع في زمن ابن القيم وشيخه هم الأشاعرة وأكثر الخصومة إنما كانت معهم لا سيما وقد كانت الغلبة لهم والشوكة وهذا لا أظنه يخفى على أحد.

قال النجار عفا الله عنه: (أن السلف في باب التبديع لم ينزلوه على المعين مباشرة, ولهذا الأئمة في مواقف متعددة لم يبدعوا من وقع في البدعة مباشرة).

قلت: وكذلك السلف رحمهم الله جاء عنهم أنهم أنزلوا الحكم على المعين دون قيام الحجة عليه، فحكم الثوري على الرُّبيع بأنه قدري لم يكن بعد إقامة الحجة وإنما سأل عن جلسائه فلما علم أنهم قدرية ألحقه بهم.
وهنا يتنبه إلى مراد السلف بالمجالسة وأنهم يعنون الألفة والموادة وليس مجرد المخالطة وقد قالوا: (من خفيت علينا بدعته لم تخف علينا ألفته).
وعليه فمجرد المخالطة التي قد تفرض على الشخص لا تعد مجالسة.
وسبب جعلهم المجلسة علامة على التلبس بالبدعة أن الألفة إنما تكون بموافقة في الطبع والمشرب وهذا معلوم لكل أحد.
وإذا كان السلف رحمهم الله وقع منهم هذا التفريق فالواجب هو معرفة الضابط في هذا التفريق وكلام ابن القيم ليس فيه تفريق مطلقا بل على توجيه الراد له فإنه يلزمه عدم التفريق مطلقا فكل مبتدع سواء خالف في مصدر التلقي أو في الأصول فإنه لا يبدع إلا بعد إقامة الحجة وذلك بتوفر الشروط وانتقاء الموانع والراد لا يقوله.

قوله النجار عفا الله عنه: (وكلام ابن القيم إنما يؤخذ منه أن باب التكفير والتفسيق واحد).

قلت: وقد تقدم هذا في أول الرد عند قولي: (وإن كان التكفير والتفسيق والتبديع كلها من باب الأسماء والأحكام،) وقبلها قلت: (إن السلف رحمهم الله تعاملوا في باب البدعة بغير التعامل الذي تعاملوا به في باب التكفير والتفسيق)، وقلت في موطن آخر: (ولو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكاً في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق)، فبابها واحد من جهة أنها أحكام وليست واحدا من جهة تنزيل الحكم على المعين، وإن كان الراد يزعم التحقيق والتقعيد فلا يجعل كلام شيخ الإسلام وتلميذه حكماً على منهج السلف فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع،إذ كيف يُجعل كلام العالم حكماً على الدليل؟!!

قال النجار عفا الله عنه: ( إن عمل السلف لا يؤخذ من أثر واحد, أو من أثر مطلق, وإنما يؤخذ عملهم بجمع بعضه إلى بعض).

قلت: وهذا حق كما سبق تقريره أن الحجة في مجموعها لا في آحادها وما ذُكر صورة من الصور وإلا فمن طالع كتب السنة علم هذا ولم ينازع فيه.
أما قول شيخ الإسلام في نصوص أحمد: (وكثير ..) لا أظن أنه يخفى على الراد أن هذا لا يؤخذ منه قاعدة إذا التقعيد للأمر الأغلبي، وأيضاً الكلام على المسائل التي ينزل عليها الحكم، وقد فرق شيخ الإسلام بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية في مواطن كثيرة، وتقسيمه أيضاً للنزاع في المسائل بين المسلمين إلى نزاع في "صغار المسائل"، ونزاع في "الأصول الكبار" قال شيخ الإسلام: (وسنتكلم على هذا بما يسره الله متحرّين للكلام بعلمٍ وعدلٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فما زال في الحنبلية من يكون ميله إلى نوع من الإثبات الذي ينفيه طائفة أخرى منهم، ومنهم من يمسك عن النفي والإثبات جميعا، ففيهم جنس التنازع الموجود في سائر الطوائف، لكن نزاعهم في مسائل الدق؛ وأما الأصول الكبار فهم متفقون عليها، ولهذا كانوا أقل الطوائف تنازعا وافتراقا، لكثرة اعتصامهم بالسنة والآثار، لأن للإمام أحمد في باب أصول الدين من الأقوال المبينة لما تنازع فيه الناس ما ليس لغيره، وأقواله مؤيدة بالكتاب والسنة واتباع سبيل السلف الطيب). "مجموع الفتاوى" (٤/ ١٦٦). 
فتنبه لقوله: ( لكن نزاعهم في مسائل الدق؛ وأما الأصول الكبار فهم متفقون عليها).

بل هذا هو التقرير الذي درج عليه علمائنا فلا يجعلون أحكام التكفير كأحكام التبديع إذ الكفر أشد، وأحكام التكفير والتفسيق تترتب عليه أحكام تخص الشخص المكفر أو المفسق بخلاف الوصف بالبدعة فهو وصف تحذيري والأحكام المترتبة على التبديع المراد بها التأديب والزجر حماية للآخرين من المبتدع، ومن أراد التقعيد من كلام أهل العلم فليجمعه لبعضه ولا يجتزء منه ما وافق هواه وما عقد عليه قلبه فيعتقد ثم يستدل!

سئل شيخنا صالح الفوزان حفظه الله هل يشترط إقامة الحجة للتبديع فقال: (... ليس لأحد أن يحكم على شيء بأنه بدعة أو سنة حتى يعرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما إن فعله عن جهل وظن أنه حق ولم يبين له فهذا معذور بالجهل، لكن في واقع أمره يكون مبتدعاً، ويكون عمله هذا بدعة، ونحن نعامله معاملة المبتدع، ونعتبر أن عمله هذا بدعة)."المنتقى" (1 / 404).

وقال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله: (وأما من هو من أهل السنة ووقع في بدعة واضحة ... فهذا يبدع وعليه عمل السلف ... ومن كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية ... فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع في تبديعه فإن أصر فيبدع). بتصرف."المجموع" (14/288 _ 291).

وأما التفريق بين المبتدع الأصلي والمبتدع الغير أصلي فقد سألت ونظرت فلم أجد من قال به من السلف وإلا المخالفة في القواعد الكلية هو ما وقع فيه أصحاب الفرق كالخوارج والقدرية وغيرهم.
قال الشاطبي رحمه الله: (وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات؛ إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية، لأن الكليات تضم من الجزئيات غير قليل، وشأنها في الغالب أن لا تختص بمحل دون محل، ولا بباب دون باب)."الاعتصام" (2/177).

وكل الفرق تدعي الأخذ من الكتاب والسنة قديماً وحديثاً والخلل هو في كيفية الأخذ وهذا الخلل يوجد حتى فيمن يدعي الراد أن مصدر التلقي عنده هو الكتاب والسنة والإجماع.
قال الشاطبي رحمه الله:
(بل كل مبتدع من هذه الأمة إنما يدعي أنه هو صاحب السنة دون من خالفه من الفرق)."الاعتصام" (2/5).

واليوم على سبيل المثال السروريون مصدر التلقي عندهم الكتاب والسنة والإجماع، ولكنهم خاصة في مسائل الإمامة لم يعملوا النص بل أعملوا الهوى، فهل يقال أنهم من أهل السنة والجماعة لأن مصدر التلقي عندهم سليم.
وأذكر أني قبل أشهر سألت الراد عن المدعو الصادق الغرياني السروري والمظهر مخالفته هل هو سلفي؟
فقال لي الراد: لا.
قلت له: هل هو مبتدع؟
قال لي: لا.
قلت: إذا هو في منزلة بين منزلتين!!
لكن بزعمه سلم للغرياني مصدر التلقي!!

وأما أثر المجالسة فلو تأمله جيداً عفا الله عنه لتبين له أن أثر الإمام أحمد في المجالس، أن الجالس لا يعلم أنه مُجالسٌ لصاحب بدعة فلهذا طلب الإمام أحمد من أبي داود تعريفه، وقد بينت أن هناك فرقاً بين الألفة والمودة وبين المخالطة فليته تنبه.

وأنبه إلى القاعدة السلفية التي ذكرها العلامة الألباني رحمه الله: (الدعوة السلفية هي تحارب الحزبية بكل أشكالها وأنواعها، والسبب واضح، الدعـوة السلفية تنتمي إلى شخص معصوم وهو الرسول ﷺ).

قال النجار عفا الله عنه : [ومن الأمثلة: ابن خزيمة في حديث الصورة.

ومما يدل على أن مسألة الصورة أصل مجمع عليه ما يأتي:

قال الإمام أحمد: (( من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي )) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/236)] وذكر جملة من الآثار ..

قلت: للنجار رسالة صغيرة بعنوان "تحقيق معنى الصورة" ونقل فيها عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاماً استنبط منه النجار أموراً زعم أن الواحد منها يدل على أن حديث الصورة أصلٌ اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة، وأنقل كلام شيخ الإسلام الذي عول عليه وكذلك كلام النجار وتأصيله العجيب.

* نقل عن شيخ الإسلام من موضعين في "بيان تلبيس الجهمية":
1_ قال ابن تيمية رحمه الله: (هذا الحديث لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله). 
2_ وقال ابن تيمية رحمه الله: (ولكن ظهر لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة، وجعل طائفة الضمير فيه عائداً إلى غير الله تعالى، حتى نقل ذلك طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة).
قال النجار بعد أن نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد تضمن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أموراً:
الأول: أن تأويل الصورة لم يظهر إلا في المائة الثالثة من الجهمية.
الثاني: حكاية إجماع القرون الثلاثة على أن الضمير عائد إلى الله.
الثالث: إنكار أئمة الدين والسنة على من أرجع الضمير إلى غير الله).
ثم قال النجار عفا الله عنه وأرجو التأمل في تقريره هذا ليتبين وجه الخلل فيه:
(وهذه الأمور الثلاثة مفردة تدل على اشتهار المسألة ووضوحها وأنه لا يسوغ الخلاف فيها فكيف بمجموعها؟!
فهذه المسألة من المسائل التي تعد أصولا، لدلالة الإجماع، إذ إن الإجماع لا يسوغ مخالفته، فهو من حجج الله على خلقه.
ولا يصح أن يقال: هي جزئية، والجزئيات لا تعد أصولا، بل الجزئية متى ما وقع عليها الإجماع صارت أصلا من أصول أهل السنة).

قلت: نص شيخ الإسلام على اشتهار المخالفة التي يعد بها الرجل مبتدعاً فقال: (والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة). "الفتاوى" (35/414).
وقال في ظهور المخالفة وخفائها ولو كانت المسألة مجمع عليها: (من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع). " الفتاوى" (24/172).
مع التنبه هنا للمعاملة وليس الحكم إذ لا يلزم من كونه مبتدعاً أن يعامل معاملة أهل البدع، وأيضاً من الخلاف الذي يعذر فيه عدم اشتهار المخالفة.

وانظر لما نقله النجار عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستنبط منه أموراً تجعل الواحد من هذه الأمور تدل على اشتهار المسألة وجعلها من أصول أهل السنة:
1_ ففي النقل الأول نص شيخ الإسلام على أن المسألة لم يقع فيها نزاع بين أهل القرون المفضلة أي أن المسألة متفق عليها ولم يحصل فيها خلاف، فإذا علم هذا فكيف يقال إنها اشتهر الخلاف فيها وهي محل اتفاق بل لم يظهر المخالف فيها بعد؟!!
2_ في النقل الثاني عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن تأويل الصورة لم يظهر إلا في المائة الثالثة من جهة الجهمية وهنا بيان منه رحمه الله إلى بداية ظهور المخالفة وعدم اشتهارها ولا أدري من أين استنبط الراد الاشتهار فيها؟!!
ومما يدل على خفاء المسألة وعدم وضوحها أن بعض أهل السنة قال بقول الجهمية كأبي ثور وابن خزيمة وغيرهم إذ لو كان الخلاف قد وقع فيها واشتهر لما قال بها أحد من أهل السنة لكن لما قالوا بها بدأ يظهر إنكار أهل السنة على هذه المقالة وينتشر!

ومما يقال للنجار أيضاً هل مجرد وقوع الإجماع في مسألة خالف فيها أهل السنة أهل البدع تجعلها أصلاً مشتهراً؟!
ولا نذهب بعيداً فمسألة الصورة انعقد إجماع القرون المفضلة على أن الضمير يعود إلى الله ومع ذلك خفيت على ابن خزيمة إمام السنة في زمانه وعلى غيره من أهل السنة!!
فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقدياً ولا أظن أن مثل هذا يخفى على طالب علم!
أيضاً من أول من السلف صفة من الصفات كتأويل القاضي شريح لصفة العجب ومع ذلك هو إمام بالاتفاق أليست الصفات أمراً مجمع عليه؟!!
ومنه أيضاً تأويل ابن عبدالبر لبعض الصفات وإنكار الكرخي لاستمرار إحساس الميت بالعذاب والأمثلة في هذا الباب كثيرة وهذه كلها مسائل لا يسوغ الخلاف فيها لوقوع الإجماع عليها ومع ذلك لم يشتهر الخلاف فيها بين أهل السنة وأهل البدع وهي أيضاً مسائل جزئية وليست قواعد كلية.
فاعتذر السلف رحمهم الله للقاضي شريح عندما أول صفة العجب ولم يعتذروا لمن نفى العلو وغيره من المسائل التي اشتهر الخلاف فيها بين أهل السنة وأهل البدع.

ثم قول النجار: (ولا يصح أن يقال جزئية).

قلت: إذا كانت مسألة الصورة غير جزئية فماذا تكون؟!
فالمسائل إما كلية تندرج تحتها جزئيات، أو جزئية لا يندرج تحتها شيء، فليت الراد يبين لي ما يندرج تحت مسألة الصورة من جزئيات!

ثم قال عفا الله عنه: (والجزئيات لا تعد أصولا، بل الجزئية متى ما وقع عليها الإجماع صارت أصلا من أصول أهل السنة).

قلت: هذه العبارة لم تتضح ولم يتبين لي وجهها فليته يجري قلمه عليها حتى لا أخطأ في توجيهها وفهمها!

قال أحمد النجار عفا الله عنه في رسالته "تبصير الخلف" بعدما تكلم على حديث الصورة وجعلها أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة: (ومما يؤكد ما سبق ما نقله الإمام ابن تيمية عن أبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في كتابه الذي سماه "الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفصول": [في تأويل الشيخ أبي أحمد محمد بن علي الفقيه الكرجي الإمام المعروف بالقصاب للآيات والأخبار الواردة في إحساس الميت بالعذاب، وإطنابه في كتابه المعروف "نكت القرآن"، وذهابه إلى أن الميت بعد السؤال لا يحس طول لبثه في البرزخ ولا بالعذاب.
فنقول: هذا تأويل تفرد به ولم يتابعه الأئمة، والقول ما ذهب إليه الجمهور، وتفرده بالمسائل لا يؤثر ولا يقدح في درجاتهم]).

قلت: زعم أحمد النجار أن الكرجي وقع في مخالفة تعد أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة ولكن لا أدري من سبقه لهذا؟! وهل هو فهم حقيقة قول الكرجي؟! 
وإليك كلام الكرجي رحمه الله من كتابه "نكت القرآن" عند قوله تعالى: (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ..) الآية، قال رحمه الله: (وري عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الثقات ما يؤيده من عرض مقاعد أهل القبور عليهم إياها بكرة وعشية، فقد يحتمل أن يكون هذا العرض بقية من المساءلة تمتد عليه، وطائفة من عذاب القبر تطول عليه بكرة واحدة وعشية واحدة، ثم يخمد فلا يشعر إلى الحشر بشيء، كما دللنا عليه).
فهنا يقرر الكرجي رحمه الله أن طائفة من عذاب القبر يستمر عليه بكرة واحدة وعشية واحدة ثم ينقطع الإحساس بالعذاب فلا يشعر بشيء إلى يوم القيامة فهو إذا يثبت عذاب القبر لكن لا يراه مستمرا إلى يوم القيامة فهل مخالفته في عدم استمرارية إحساس الميت بالعذاب تعد مخالفة في أصل مشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة؟! أو يقال هي جزئية لم يشتهر الخلاف فيها بين أهل السنة وأهل البدعة؟!
وأترك الجواب للنجار فأظنه قد ادعى الاجتهاد في هذا الباب!

قال غفر الله له: (وفي كثير من أقوالك وآرائك أنت مقلد لغيرك وإن لم تصرح!).

قلت: وأما زعمه لي بأني مقلد غيري في هذه المسائل فالحمد لله أنا متبع ولست مقلداً ولا أظنه يخفى عليه الفرق بين الأمرين!
فالاتباع هو أخذ قول العالم بدليله أما المقلد فهو أخذ قول العالم بغير دليل!
وإن كنت مقلدا ديني في هذه المسألة للكبار الأعلام فهذا شيء أعتز به وأرجو ثوابه، وإليك كلام علمائنا في هذه المسألة:

سئل شيخنا صالح الفوزان حفظه الله هل يشترط إقامة الحجة للتبديع فقال: (... ليس لأحد أن يحكم على شيء بأنه بدعة أو سنة حتى يعرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأما إن فعله عن جهل وظن أنه حق، ولم يبن له فهذا معذور بالجهل، لكن في واقع أمره يكون مبتدعا، ويكون عمله هذا بدعة، ونحن نعامله معاملة المبتدع، ونعتبر أن عمله هذا بدعة). "المنتقى" (1 / 404).

وقال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله: (وأما من هو من أهل السنة ووقع في بدعة واضحة ... فهذا يبدع وعليه عمل السلف ... ومن كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية ... فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع في تبديعه فإن أصر فيبدع). بتصرف. "المجموع" (14/288 _ 291).

قد سألت شيخنا سماحة المفتي عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله عن اشتراط إقامة الحجة في التبديع فقال: (إن كانت المسألة ظاهرة جلية فلا وإن كانت خفية فنعم).

وأما جعله مجرد وقوع الإجماع في مسألة تصيرها أصلا من أصول السنة فهذه دعوى تحتاج إلى دليل فكم من مسألة وقع فيها الإجماع ولم يعتبرها أهل السنة أصلا حتى ينضم لها الاشتهار فضابط الأصل هو الاشتهار كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وعليه عمل السلف، قال ابن تيمية رحمه الله: (والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة). "الفتاوى" (35/414).
فالمسألة المجمع عليها لا تكون أصلاً إلا إذا ضم إليها ضابط الاشتهار, فقد أنكر القاضي شريح صفة العجب ومع ذلك هو إمام بالاتفاق، وإثبات الصفات مما أجمع عليه السلف، وكذلك فعل ابن خزيمة مع حديث الصورة وهي مسألة مجمع عليها، وإنكار الكرجي لاستمرار الإحساس بالعذاب إلى يوم القيامة مجمع عليه وغيرها كثير، ومع ذلك هي مسائل لم يشتهر الخلاف فيها وليست كلية بل جزئية خلاف ما يدعيه النجار.

قال أحمد النجار غفر الله له: (وهذا الاتفاق من السلف يجعل المسألة لا يسوغ لأحد أن يخالف فيها)، وقبلها قال: (كيف يجتمع أن تكون المسألة لا يسوغ الخلاف فيها, ومع ذلك قد تكون جزئية يعذَر المخالف فيها؟!).

قلت: يعذر المخالف فيها لعدم اشتهارها ووضوحها كما صنع الأئمة مع ابن خزيمة وأبي ثور والكرجي وغيره من علماء السنة إذا قالوا بقول مخالف للسنة.

وأما زعمه أن الاشتهار أمر نسبي لا تعلق به الأحكام الشريعة فهذا يقال أيضاً في إقامة الحجة فالناس في ذلك ليسوا سواء.

قال النجار غفر الله له: (وأما كلام الرازيين: (ومن وقف في القرآن جاهلاً علم وبدع ولم يكفر) فقد أراد بـ(وقف في القرآن جاهلاً علم وبدع) إخراج من وقف شكاً، فإن من وقف شكاً بعد إقامة الحجة يكون كافراً، وأما من وقف عن غير شك فإنه يكون مبتدعاً بعد إقامة الحجة ...) إلى آخر كلامه.

قلت: وهل التوقف في مسألة خلق القرآن لا يكون إلا عن شك؟!!
وأعيد الكلام مرة أخرى أن طريقة السلف في التبديع خلاف طريقتهم في التكفير فإنه في تبديع من يستحق البدعة لا يجعلون الجهل مانعاً، ففي عقيدة الرازيين أبي حاتم وأبي زرعة التي نقلوها عن أئمة السنة: (ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة)، ثم قالا: (ومن وقف في القرآن جاهلاً علّم وبدع ولم يكفر). "اعتقاد أهل السنة" (1 / 178)، فلم يجعلوا الجهل مانعاً من التبديع بخلاف التكفير.
وكلام الرازيين في التبديع مع الجهل لا مع العلم لأنه لو علم وأصر على القول بأنه مخلوق لكفر كفراً ينقل من الملة كما بينه في سابق كلامه ولما اكتفي بتبديعه، إذاً يكون التبديع مع الجهل أما من علم أنه غير مخلوق وقال مخلوق فيكفر.

قال أحمد النجار غفر له: (وأكتفي بهذا القدر, وإنما أردت أن أبين مقدار علمه في هذه المسائل).

قلت: ينبغي لطالب العلم أن لا يحتقر إخوانه ويسفه أقوالهم، خاصة إذا كان لهم سلف فيما يقولون، وأن يعلم أنه مهما بلغ من العلم فإنه جاهل في حقيقة أمره، كيف وهو لم يتجاوز الخامس والثلاثين من عمره، وليعلم أن العلم ثمرته العمل، ومن العمل التواضع والسكينة للخلق وعدم الترفع عليهم برأيتُ وقلتُ وأبين مقدار علمهم إلى آخر هذه العبارات، بل أذكر أكثر من مرة يستشكلُ سماحة شيخنا عبدالعزيز آل الشيخ في مسائل لو طرحت عند المتعالمين لسارعوا في التنصنيف والكتابة، ولما طُلب من شيخنا عبدالله الغديان أن يُجمع له مجموع فتاوى وقد جُمع رفض وقال: (أنا ليس عندي شيء)، بل هذا شيخنا صالح اللحيدان لم نجد له تأليفاً واحدا حسب علمي وهو في العلم من هو.
بل ينبغي طرح المسائل العلمية لأجل المباحثة العلمية والوصول من خلالها للحق، وأنا عن نفسي أعترف بأني جاهل ولازلت في إطار التعلم والتلقي على الأشياخ والعلماء، ولكن رأيت بحسب رأي القاصر أن المسألة لم ينصفها الراد بحثاً بل نتج من بحثه التميع مع أهل البدع، وقد أوضحت شيئاً من هذا، والله أرجو أن يهديه ويسدده في قوله وعمله، وأن يجعل كلمة الشافعي عبرة لي وله وهي قوله: (ما ناظرت أحداً إلا وتمنيت أن يجري الله الحق على لسانه)، وأسأله سبحانه أن يغفر لي زللي وخطئي وحظ نفسي وما أصبت فيه فمن الله وحده وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

كتبه: صبري المحمودي
19 . 7 . 1436 هجري

غاية المرام في شرح كتاب التوحيد

بِسْم الله الرحمن الرحيم

كتاب التوحيد قد تناقله أئمة السنة في هذه الأزمان المتأخرة وذكروا أنه لم يؤلف في التوحيد بعد القرون المفضلة مثل هذا الكتاب.
قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم - رحمه الله -: (فإن كتاب التوحيد الذي ألفه شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب أجزل الله له الأجر والثواب ليس له نظير في الوجود ... فصار بديعاً في معناه لم يسبق إليه).
"حاشية كتاب التوحيد" (٧).

وقال الشيخ صالح آل الشيخ عن كتاب التوحيد: (أجمع علماء التوحيد على أنه لم يصنف في الإسلام في موضوعه مثله، فهو كتاب وحيد فريد في بابه، لم ينسج على منواله مثله، لأن المؤلف - رحمه الله - طرق في هذا الكتاب مسائل توحيد العبادة، وما يضاد ذلك التوحيد من أصله، أو يضاد كماله، فامتاز الكتاب بسياق أبواب توحيد العبادة مفصلة مدللة، وعلى هذا النحو بتفصيل وترتيب وتبويب لمسائل التوحيد، لم يوجد من سبق الشيخ إلى ذلك، فحاجة طلاب العلم إليه وإلى معرفة معانيه ماسة، لما اشتمل عليه من الآيات والأحاديث والفوائد).
"التمهيد لشرح كتاب التوحيد" (٧ - ٨).

وموضوع هذا الكتاب هو توحيد الألوهية من حيث الأصل وإلا فإنه مشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة.
قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم - رحمه الله -: (وأقسام التوحيد ثلاثة: الأول توحيد الربوبية ... والثاني توحيد الأسماء والصفات ... والثالث توحيد الإلهية ... والقسم الثالث هو مقصود المصنف رحمه الله تعالى بتصنيف هذا الكتاب، وإن كان قد ضمنه النوعين الآخرين).
"حاشية كتاب التوحيد" (١٢).

وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن - رحمه الله -: (فموضوعه في بيان ما بعث الله به رسله، من توحيد العبادة وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر ونحوه، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه).
"فتح المجيد" (٢١).

فائدة: شروح كتاب التوحيد كثيرة جداً وذلك لاعتكاف طلبة العلم والعلماء عليه ولكن تمايزت هذه الشروح فيما بينها فمن هذه الشروح:
١- "قرة عيون الموحدين" لعبدالرحمن بن حسن يمتاز ببيان مراد المصنف.
٢- "تيسير العزيز الحميد" لسليمان بن عبدالله حفيد المؤلف ولم يكمله واختصره عبدالرحمن بن حسن في "فتح المجيد" ويمتاز الشرحان بكثرة النقول.
٣- "القول المفيد" لمحمد بن صالح العثيمين ويمتاز بالتأصيل والتفصيل وتشقيق المسائل مع قلة العزو فيه.

تنبيهات:
التنبيه الأول: يفضّل عند شرح هذا الكتاب ألاّ يستطرد في مسائل لا تعلق لها بالباب كالتفسير ومباحث اللغة وإنما يكون الكلام مركزاً على علم توحيد الإلهية وما أورد المصنف الأدلة لأجله.

التنبيه الثاني: ذهب الشيخ عبدالرحمن بن حسن إلى أن الشيخ محمد - رحمه الله - ألف كتاب التوحيد في البصرة.
قال الشيخ عبدالرحمن - رحمه الله -: (وصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه له القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث).
"المقامات" (٦٦ - ٦٧).

وذهب الشيخ حسين بن غنام إلى أن الشيخ صنف كتاب التوحيد في حريملاء بعد عودته من رحلته العلمية.
قال ابن غنام - رحمه الله -: (فأقام - رحمه الله تعالى - وأفاض عليه بره ووالى في بلد حريملاء سنين ينشر أعلام التوحيد ويبدي في المحافل الدر النضيد وجوهر الحق الفريد وصنف في تلك الإقامة كتاب التوحيد ونشر أعلامه ..).
"روضة الأفكار والأفهام" (١/ ٣٠).

وجمع بين هذين القولين الشيخ صالح آل الشيخ فقال: (هذا الكتاب صنفه إمام الدعوة ابتداء في البصرة لما رحل إليها، ... فابتدأ في البصرة جمع هذا الكتاب وتحرير الدلائل لمسائله، ذكر ذلك تلميذه وحفيده الشيخ الإمام عبدالرحمن بن حسن - رحمه الله - في "المقامات"، ثم إن الشيخ لما قدم نجداً حرر الكتاب وأكمله).
"التمهيد لشرح كتاب التوحيد" (٨).

التنبيه الثالث: أول من شرح هذا الكتاب حفيد المصنف الشيخ سليمان بن عبدالله غير أنه لم يتم شرحه وإنما وقف في نهاية باب ما جاء في منكري القدر ثم هذب هذا الشرح وأكمله الشيخ عبدالرحمن بن حسن - رحمه الله - في "فتح المجيد" وبعد ذلك توالت عليه الشروح والحواشي.
قال ابن قاسم - رحمه الله -: (وأول من تصدى لشرحه وأجاد حفيده الشيخ سليمان بن الشيخ عبدالله ثم هذبه وكمله حفيده أيضاً الشيخ عبدالرحمن بن حسن ..).
"حاشية كتاب التوحيد" (٧).

التنبيه الرابع: ختم المصنف كل باب من أبواب الكتاب بمسائل مفيدة التي هي ثمرة الكتاب ولكن مع كثرة هذه الشروح والحواشي لم يتعرض الشراح لشرح مسائله إلا نادراً وممن تناول هذه المسائل بالشرح الشيخ عبدالله بن محمد الدويش - رحمه الله - في مؤلف بعنوان "التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد" والشيخ محمد بن العثيمين في شرحه "القول المفيد"، وممن تعرض لمسائل الكتاب أيضاً الشيخ سليمان بن حمدان - رحمه الله - في كتابه "الدر النضير على أبواب التوحيد" فجعل كل مسألة في الموضوع اللائق بها من الآيات والأحاديث إلا أنه لم يشرح المسائل.

التنبيه الخامس: هذا الكتاب متكون من ستة وستين باباً أولها مقدمة في وجوب التوحيد على الأعيان من الجن والإنس تضمنت خمس آيات وأثراً وحديثاً وبعدها عدة مسائل ثم قال: باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وهذا أول باب من أبواب الكتاب.

التنبيه السادس: أجمل المصنف - رحمه الله - الكتاب في أمور أربعة وهي:
١- بدأ الكتاب ببيان التوحيد وفضله ومعناه والدعوة إليه، والتحذير من نقيضه وهو الشرك.
٢- ذكر بعد ذلك جملة من الأبواب في الرد على من تعلق بغير الله من تمائم ورقى وشفعاء وغير ذلك.
٣- ذكر بعد ذلك جملة من الأبواب عن أمور مناقضة للتوحيد من أصله أو كماله كالسحر والكهانة وغير ذلك.
٤- ذكر جملة من الأبواب المكملة للتوحيد إما من باب الألفاظ كباب سب الدهر أو من باب تعظيم الله كباب التسمي بقاضي القضاة أو من باب وسائل الشرك وذرائعه كباب ما جاء في المصورين ونحو ذلك.
وطريقته - رحمه الله - من حيث التفصيل أنه يبوب باباً ثم يذكر الأدلة من الكتاب والسنة التي تدل على مضمون الباب وفي كثير منها دقة تذكر بصنيع البخاري - رحمه الله - في صحيحه، وأحياناً يذكر شيئاً من الآثار وبعد ذلك يتبع الباب بجملة من المسائل فيقول: (وفيه مسائل) أي فيه فوائد وهذه الفوائد مستنبطة من آيات وأحاديث الباب.

المتن: بسم الله الرحمن الرحيم:
الشرح: بدأ المصنف كتابه بالبسملة وذلك اقتداء بالكتاب العزيز، وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته، والكلام على البسملة في مسائل:

المسألة الأولى: البداءة بالبسملة سنة في التصانيف والرسائل ويدل لذلك فعله صلى الله عليه وسلم كما في كتابه لهرقل عظيم الروم، وأمره علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك في صلح الحديبية.
قال ابن جرير - رحمه الله -: (إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه أدّب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى، أمام جميع أفعاله، وتقدم إليه في وصفه بها قبل جميع مهماته، وجعل ما أدبه من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنة يستنون بها وسبيلاً يتبعونه عليها في افتتاح أوائل منطقهم وصدور رسائلهم، وكتبهم وحاجاتهم).
"جامع البيان" (١/٥٠).  
وقال ابن مفلح - رحمه الله -: (قال شيخنا: وتُكتب أوائل الكتب كما كتبها سليمان، وكتبها النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وإلى قيصر، وغيره).
"الآداب الشرعية" (١/٤١٤).
بل حكى القرطبي - رحمه الله - في تفسيره إجماع الأمة على ذلك فقال: (اتفقت الأمة على كَتبها في أوائل الكتب والرسائل).
 "الجامع لأحكام القرآن" (١/٩٥ - ٩٦).
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (قد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة وكذا معظم كتب الرسائل).
"فتح الباري" (١/٩).
وأما ما جاء من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع) فلا يصح قال عنه الشيخ الألباني - رحمه الله -: (ضعيف جداً).
"إرواء الغليل" (١/٢٠).
ورواه بعضهم بلفظ: (كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بالحمدلله فهو أقطع) وهو أيضاً لا يصح.

المسألة الثانية: ذهب الحافظ ابن حجر - رحمه الله - إلى أنه لا يجمع بين البسملة وبين الحمد والشهادة، فالكتب والرسائل يقتصر فيها على البسملة وأما الخطب فيبدأ فيها بالحمد والشهادة.
قال - رحمه الله -: (وقد جَمعت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد، بل بالبسملة).
"فتح الباري" (٨/٦٨).
وقال أيضاً: (ويؤيده أيضاً وقوع كُتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وكتبه في القضايا مفتتحة بالبسملة دون حمدلة وغيرها، كما سيأتي في حديث أبي سفيان في قصة هرقل في هذا الباب، وكما سيأتي في حديث البراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية، وغير ذلك من الأحاديث، وهذا يشعر بأن لفظ الحمد والشهادة إنما يحتاج إليه في الخطب دون الرسائل والوثائق).
"فتح الباري" (١/٤٤).

المسألة الثالثة: لم يأتِ في السنة الجمع بين البسملة والحمدلة في الخطب، بل السنة في الخطب الابتداء بالحمدلة كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
قال ابن القيم - رحمه الله -: (وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمدالله، ... وهو اختيار شيخنا قدس الله سره).
وقال أيضاً: (ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمدالله ..).
"زاد المعاد" (١/ ١٧٩ - ١٨٢).

تنبيه: لم يفتتح الشيخ كتابه بالحمد والشهادة ولعل الشيخ محمد - رحمه الله - أجرى كتابه مجرى الرسائل إلى العلماء وطلبة العلم في زمانه لينتفعوا به وينشروه بين الناس لاسيما والحاجة إليه ماسة.
قال ابن قاسم - رحمه الله -: (فكأنه أجراه مجرى الرسائل إلى أهل العلم لينتفعوا بما فيه تعلماً وتعليماً).
"حاشية كتاب التوحيد" (٧).
 وذكر الشيخ عبدالرحمن بن حسن في "الفتح" أنه وقف على نسخة بخط الشيخ بدأ فيها بالبسملة وثنى بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال - رحمه الله -: (والمصنف - رحمه الله - قد اقتصر في بعض نسخه على البسملة لأنها من أبلغ الثناء والذكر وللحديث المتقدم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقتصر عليها في مراسلاته كما في كتابه لهرقل عظيم الروم.
ووقع لي نسخة بخطه - رحمه الله - بدأ فيها بالبسملة وثنى بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله ...).
"فتح المجيد" (23 - 24).

المتن: كتاب التوحيد:
الشرح: والكلام على هذه العبارة في مسائل:

المسألة الأولى: تعريف التوحيد لغة وشرعاً:
تعريفه لغةً: مصدر وحد يوحد توحيداً أي جعله واحداً. انظر: "تاج العروس" (9/266).
وتعريفه شرعاً: هو إفراد الله بالعبادة وإثبات وحدانيته ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً. "لوامع الأنوار البهية" للسفاريني (1/57).
وقيل: هو إفراد الله بما يختص به. "التدمرية" (...).
وقيل: هو إفراد الله بربوبيته وإفراده بألوهيته وإفراده بذاته وأسمائه وصفاته. "شرح كتاب التوحيد" للحمد (10).

المسألة الثانية: ثبتت هذه اللفظة (التوحيد) في السنة فقد جاء في مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك.
وجاء في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً لليمن قال له: (إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ...).
قال الشيخ صالح آل الشيخ: (فمادة هذه الكلمة جاءت في السنة خلافاً لمن زعم أن هذا اللفظ إنما اهتم به شيخ الإسلام ابن تيمية ومن تابعه).
"شرح كشف الشبهات" (...).

المسألة الثالثة: أقسام التوحيد:
قسم علماء السنة التوحيد لثلاثة أقسام وهي:
1- توحيد الربيوبية: وهو إفراد الله بأفعاله ...
2- توحيد الألوهية: وهو إفراد الله بأفعال العباد التعبدية ...
3- توحيد الأسماء والصفات: ...

المسألة الرابعة: أنكر بعض أهل البدع هذا التقسيم على أهل السنة وزعموا أن هذا الفعل هو مضاه لتثليث النصارى والرد عليه من أوجه:
الوجه الأول: ...

المسألة الخامسة: أحدث بعض أهل البدع قسماً رابعاً وسموه "توحيد الحاكمية" ...

كتبه: صبري المحمودي
٢٦ . ١٢ . ١٤٣٦ هجري