الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

غاية المرام في شرح كتاب التوحيد

بِسْم الله الرحمن الرحيم

كتاب التوحيد قد تناقله أئمة السنة في هذه الأزمان المتأخرة وذكروا أنه لم يؤلف في التوحيد بعد القرون المفضلة مثل هذا الكتاب.
قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم - رحمه الله -: (فإن كتاب التوحيد الذي ألفه شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب أجزل الله له الأجر والثواب ليس له نظير في الوجود ... فصار بديعاً في معناه لم يسبق إليه).
"حاشية كتاب التوحيد" (٧).

وقال الشيخ صالح آل الشيخ عن كتاب التوحيد: (أجمع علماء التوحيد على أنه لم يصنف في الإسلام في موضوعه مثله، فهو كتاب وحيد فريد في بابه، لم ينسج على منواله مثله، لأن المؤلف - رحمه الله - طرق في هذا الكتاب مسائل توحيد العبادة، وما يضاد ذلك التوحيد من أصله، أو يضاد كماله، فامتاز الكتاب بسياق أبواب توحيد العبادة مفصلة مدللة، وعلى هذا النحو بتفصيل وترتيب وتبويب لمسائل التوحيد، لم يوجد من سبق الشيخ إلى ذلك، فحاجة طلاب العلم إليه وإلى معرفة معانيه ماسة، لما اشتمل عليه من الآيات والأحاديث والفوائد).
"التمهيد لشرح كتاب التوحيد" (٧ - ٨).

وموضوع هذا الكتاب هو توحيد الألوهية من حيث الأصل وإلا فإنه مشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة.
قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم - رحمه الله -: (وأقسام التوحيد ثلاثة: الأول توحيد الربوبية ... والثاني توحيد الأسماء والصفات ... والثالث توحيد الإلهية ... والقسم الثالث هو مقصود المصنف رحمه الله تعالى بتصنيف هذا الكتاب، وإن كان قد ضمنه النوعين الآخرين).
"حاشية كتاب التوحيد" (١٢).

وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن - رحمه الله -: (فموضوعه في بيان ما بعث الله به رسله، من توحيد العبادة وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر ونحوه، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه).
"فتح المجيد" (٢١).

فائدة: شروح كتاب التوحيد كثيرة جداً وذلك لاعتكاف طلبة العلم والعلماء عليه ولكن تمايزت هذه الشروح فيما بينها فمن هذه الشروح:
١- "قرة عيون الموحدين" لعبدالرحمن بن حسن يمتاز ببيان مراد المصنف.
٢- "تيسير العزيز الحميد" لسليمان بن عبدالله حفيد المؤلف ولم يكمله واختصره عبدالرحمن بن حسن في "فتح المجيد" ويمتاز الشرحان بكثرة النقول.
٣- "القول المفيد" لمحمد بن صالح العثيمين ويمتاز بالتأصيل والتفصيل وتشقيق المسائل مع قلة العزو فيه.

تنبيهات:
التنبيه الأول: يفضّل عند شرح هذا الكتاب ألاّ يستطرد في مسائل لا تعلق لها بالباب كالتفسير ومباحث اللغة وإنما يكون الكلام مركزاً على علم توحيد الإلهية وما أورد المصنف الأدلة لأجله.

التنبيه الثاني: ذهب الشيخ عبدالرحمن بن حسن إلى أن الشيخ محمد - رحمه الله - ألف كتاب التوحيد في البصرة.
قال الشيخ عبدالرحمن - رحمه الله -: (وصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه له القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث).
"المقامات" (٦٦ - ٦٧).

وذهب الشيخ حسين بن غنام إلى أن الشيخ صنف كتاب التوحيد في حريملاء بعد عودته من رحلته العلمية.
قال ابن غنام - رحمه الله -: (فأقام - رحمه الله تعالى - وأفاض عليه بره ووالى في بلد حريملاء سنين ينشر أعلام التوحيد ويبدي في المحافل الدر النضيد وجوهر الحق الفريد وصنف في تلك الإقامة كتاب التوحيد ونشر أعلامه ..).
"روضة الأفكار والأفهام" (١/ ٣٠).

وجمع بين هذين القولين الشيخ صالح آل الشيخ فقال: (هذا الكتاب صنفه إمام الدعوة ابتداء في البصرة لما رحل إليها، ... فابتدأ في البصرة جمع هذا الكتاب وتحرير الدلائل لمسائله، ذكر ذلك تلميذه وحفيده الشيخ الإمام عبدالرحمن بن حسن - رحمه الله - في "المقامات"، ثم إن الشيخ لما قدم نجداً حرر الكتاب وأكمله).
"التمهيد لشرح كتاب التوحيد" (٨).

التنبيه الثالث: أول من شرح هذا الكتاب حفيد المصنف الشيخ سليمان بن عبدالله غير أنه لم يتم شرحه وإنما وقف في نهاية باب ما جاء في منكري القدر ثم هذب هذا الشرح وأكمله الشيخ عبدالرحمن بن حسن - رحمه الله - في "فتح المجيد" وبعد ذلك توالت عليه الشروح والحواشي.
قال ابن قاسم - رحمه الله -: (وأول من تصدى لشرحه وأجاد حفيده الشيخ سليمان بن الشيخ عبدالله ثم هذبه وكمله حفيده أيضاً الشيخ عبدالرحمن بن حسن ..).
"حاشية كتاب التوحيد" (٧).

التنبيه الرابع: ختم المصنف كل باب من أبواب الكتاب بمسائل مفيدة التي هي ثمرة الكتاب ولكن مع كثرة هذه الشروح والحواشي لم يتعرض الشراح لشرح مسائله إلا نادراً وممن تناول هذه المسائل بالشرح الشيخ عبدالله بن محمد الدويش - رحمه الله - في مؤلف بعنوان "التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد" والشيخ محمد بن العثيمين في شرحه "القول المفيد"، وممن تعرض لمسائل الكتاب أيضاً الشيخ سليمان بن حمدان - رحمه الله - في كتابه "الدر النضير على أبواب التوحيد" فجعل كل مسألة في الموضوع اللائق بها من الآيات والأحاديث إلا أنه لم يشرح المسائل.

التنبيه الخامس: هذا الكتاب متكون من ستة وستين باباً أولها مقدمة في وجوب التوحيد على الأعيان من الجن والإنس تضمنت خمس آيات وأثراً وحديثاً وبعدها عدة مسائل ثم قال: باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وهذا أول باب من أبواب الكتاب.

التنبيه السادس: أجمل المصنف - رحمه الله - الكتاب في أمور أربعة وهي:
١- بدأ الكتاب ببيان التوحيد وفضله ومعناه والدعوة إليه، والتحذير من نقيضه وهو الشرك.
٢- ذكر بعد ذلك جملة من الأبواب في الرد على من تعلق بغير الله من تمائم ورقى وشفعاء وغير ذلك.
٣- ذكر بعد ذلك جملة من الأبواب عن أمور مناقضة للتوحيد من أصله أو كماله كالسحر والكهانة وغير ذلك.
٤- ذكر جملة من الأبواب المكملة للتوحيد إما من باب الألفاظ كباب سب الدهر أو من باب تعظيم الله كباب التسمي بقاضي القضاة أو من باب وسائل الشرك وذرائعه كباب ما جاء في المصورين ونحو ذلك.
وطريقته - رحمه الله - من حيث التفصيل أنه يبوب باباً ثم يذكر الأدلة من الكتاب والسنة التي تدل على مضمون الباب وفي كثير منها دقة تذكر بصنيع البخاري - رحمه الله - في صحيحه، وأحياناً يذكر شيئاً من الآثار وبعد ذلك يتبع الباب بجملة من المسائل فيقول: (وفيه مسائل) أي فيه فوائد وهذه الفوائد مستنبطة من آيات وأحاديث الباب.

المتن: بسم الله الرحمن الرحيم:
الشرح: بدأ المصنف كتابه بالبسملة وذلك اقتداء بالكتاب العزيز، وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته، والكلام على البسملة في مسائل:

المسألة الأولى: البداءة بالبسملة سنة في التصانيف والرسائل ويدل لذلك فعله صلى الله عليه وسلم كما في كتابه لهرقل عظيم الروم، وأمره علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك في صلح الحديبية.
قال ابن جرير - رحمه الله -: (إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه أدّب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى، أمام جميع أفعاله، وتقدم إليه في وصفه بها قبل جميع مهماته، وجعل ما أدبه من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنة يستنون بها وسبيلاً يتبعونه عليها في افتتاح أوائل منطقهم وصدور رسائلهم، وكتبهم وحاجاتهم).
"جامع البيان" (١/٥٠).  
وقال ابن مفلح - رحمه الله -: (قال شيخنا: وتُكتب أوائل الكتب كما كتبها سليمان، وكتبها النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وإلى قيصر، وغيره).
"الآداب الشرعية" (١/٤١٤).
بل حكى القرطبي - رحمه الله - في تفسيره إجماع الأمة على ذلك فقال: (اتفقت الأمة على كَتبها في أوائل الكتب والرسائل).
 "الجامع لأحكام القرآن" (١/٩٥ - ٩٦).
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (قد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة وكذا معظم كتب الرسائل).
"فتح الباري" (١/٩).
وأما ما جاء من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع) فلا يصح قال عنه الشيخ الألباني - رحمه الله -: (ضعيف جداً).
"إرواء الغليل" (١/٢٠).
ورواه بعضهم بلفظ: (كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بالحمدلله فهو أقطع) وهو أيضاً لا يصح.

المسألة الثانية: ذهب الحافظ ابن حجر - رحمه الله - إلى أنه لا يجمع بين البسملة وبين الحمد والشهادة، فالكتب والرسائل يقتصر فيها على البسملة وأما الخطب فيبدأ فيها بالحمد والشهادة.
قال - رحمه الله -: (وقد جَمعت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد، بل بالبسملة).
"فتح الباري" (٨/٦٨).
وقال أيضاً: (ويؤيده أيضاً وقوع كُتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وكتبه في القضايا مفتتحة بالبسملة دون حمدلة وغيرها، كما سيأتي في حديث أبي سفيان في قصة هرقل في هذا الباب، وكما سيأتي في حديث البراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية، وغير ذلك من الأحاديث، وهذا يشعر بأن لفظ الحمد والشهادة إنما يحتاج إليه في الخطب دون الرسائل والوثائق).
"فتح الباري" (١/٤٤).

المسألة الثالثة: لم يأتِ في السنة الجمع بين البسملة والحمدلة في الخطب، بل السنة في الخطب الابتداء بالحمدلة كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
قال ابن القيم - رحمه الله -: (وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمدالله، ... وهو اختيار شيخنا قدس الله سره).
وقال أيضاً: (ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمدالله ..).
"زاد المعاد" (١/ ١٧٩ - ١٨٢).

تنبيه: لم يفتتح الشيخ كتابه بالحمد والشهادة ولعل الشيخ محمد - رحمه الله - أجرى كتابه مجرى الرسائل إلى العلماء وطلبة العلم في زمانه لينتفعوا به وينشروه بين الناس لاسيما والحاجة إليه ماسة.
قال ابن قاسم - رحمه الله -: (فكأنه أجراه مجرى الرسائل إلى أهل العلم لينتفعوا بما فيه تعلماً وتعليماً).
"حاشية كتاب التوحيد" (٧).
 وذكر الشيخ عبدالرحمن بن حسن في "الفتح" أنه وقف على نسخة بخط الشيخ بدأ فيها بالبسملة وثنى بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال - رحمه الله -: (والمصنف - رحمه الله - قد اقتصر في بعض نسخه على البسملة لأنها من أبلغ الثناء والذكر وللحديث المتقدم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقتصر عليها في مراسلاته كما في كتابه لهرقل عظيم الروم.
ووقع لي نسخة بخطه - رحمه الله - بدأ فيها بالبسملة وثنى بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله ...).
"فتح المجيد" (23 - 24).

المتن: كتاب التوحيد:
الشرح: والكلام على هذه العبارة في مسائل:

المسألة الأولى: تعريف التوحيد لغة وشرعاً:
تعريفه لغةً: مصدر وحد يوحد توحيداً أي جعله واحداً. انظر: "تاج العروس" (9/266).
وتعريفه شرعاً: هو إفراد الله بالعبادة وإثبات وحدانيته ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً. "لوامع الأنوار البهية" للسفاريني (1/57).
وقيل: هو إفراد الله بما يختص به. "التدمرية" (...).
وقيل: هو إفراد الله بربوبيته وإفراده بألوهيته وإفراده بذاته وأسمائه وصفاته. "شرح كتاب التوحيد" للحمد (10).

المسألة الثانية: ثبتت هذه اللفظة (التوحيد) في السنة فقد جاء في مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك.
وجاء في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً لليمن قال له: (إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ...).
قال الشيخ صالح آل الشيخ: (فمادة هذه الكلمة جاءت في السنة خلافاً لمن زعم أن هذا اللفظ إنما اهتم به شيخ الإسلام ابن تيمية ومن تابعه).
"شرح كشف الشبهات" (...).

المسألة الثالثة: أقسام التوحيد:
قسم علماء السنة التوحيد لثلاثة أقسام وهي:
1- توحيد الربيوبية: وهو إفراد الله بأفعاله ...
2- توحيد الألوهية: وهو إفراد الله بأفعال العباد التعبدية ...
3- توحيد الأسماء والصفات: ...

المسألة الرابعة: أنكر بعض أهل البدع هذا التقسيم على أهل السنة وزعموا أن هذا الفعل هو مضاه لتثليث النصارى والرد عليه من أوجه:
الوجه الأول: ...

المسألة الخامسة: أحدث بعض أهل البدع قسماً رابعاً وسموه "توحيد الحاكمية" ...

كتبه: صبري المحمودي
٢٦ . ١٢ . ١٤٣٦ هجري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق