الأحد، 22 نوفمبر 2015

فوائد منتقاة من شرح حديث أبي الدرداء للحافظ ابن رجب رحمه الله


• ازدحم الناس مرة على باب الحسن البصري لطلب العلم فأسمعهم ابنه كلاماً، فقال الحسن: مهلاً يا بني وتلا هذه الآية:
(وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة).
وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي ﷺ وصاهم بطلبة العلم والمتفقهين في الدين.
وأخرج الترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (إن الملائكة تضع أجنحتها رضىً لطالب العلم).

• جاء في "المسند" عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا طمست النجوم أوشك أن تضل الهداة).

• شبه النبي ﷺ العلماء بالنجوم وهذا تشبيه في غاية المطابقة وذلك أن النجوم في السماء فيها ثلاث فوائد:
1- يهتدى بها في الظلمات وكذلك العلماء يهتدى بهم في الظلمات.
2- زينة للسماء وكذلك العلماء هم زينة للأرض.
3- رجوم للشياطين الذين يسترقون السمع منها وكذلك العلماء هم رجوم للشياطين الذين يخلطون الحق بالباطل ويدخلون في الدين ما ليس منه من أهل الأهواء والبدع.

• العلم النافع هو ما باشر القلب فأوقف فيه معرفة الله تعالى وعظمته، وخشيته وإجلاله، وتعظيمه ومحبته، ومتى سكنت هذه الأشياء في القلب خشع فخشعت الجوارح كلها تبعاً لخشوعه.
وأول ما يذهب من العلم العمل به وفسر الصحابة العلم بالعمل الباطن وهو الخشوع كما روي عن حُذيفة رضي الله عنه: (إن أول ما يرفع من العلم الخشوع).
وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان يقول: (إني أعوذ بالله من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع).
فالعلم الذي لا يوجب الخشوع للقلب هو علم غير نافع.

• قسم العلماء العلم إلى باطن وظاهر:
فالباطن: ما باشر القلوب فأثمر لها الخشية والخشوع والتعظيم والإجلال والمحبة والأنس والشوق.
والظاهر: ما كان على اللسان فبه تقوم حجة الله على عباده.
كتب وهب بن منبه لمكحول: (إنك امرؤ قد أصبت بما ظهر لك من علم الإسلام شرفاً فاطلب بما بطن من علم الإسلام محبة وزلفى).
ومراد وهب بالعلم الباطن هو العلم الذي يباشر القلوب فيحدث لها الخشية والإجلال والتعظيم وأمره أن يطلب بهذا المحبة من الله والقرب منه والزلفي لديه.
وأما العلم الظاهر فهو حجة الله على بني آدم كما قال النبي ﷺ: (والقرآن حجة لك أو عليك).

• وكان الثوري وغيره يقسمون العلماء إلى ثلاثة أقسام:
1- عالم بالله وهم أصحاب العلم الباطن الذين يخشون الله وليس لهم اتساع في العلم الظاهر.
وهؤلاء يخشى عليهم لقلة ما عندهم من العلم الظاهر فيسهل على الشياطين التلاعب بهم.
2- عالم بأوامر الله وهم أصحاب العلم الظاهر وليس لهم خشية ولا خشوع وقد ذمهم السلف.
3- عالم بالله وبأوامره وهم من جمع بين الأمرين وهم خلاصة الخلق وأفضل الناس بعد الرسل وهم خلفاء الرسل حقاً.
فمن معين السنة والكتاب يستقون وبهما يعملون فما وافقهما قبلوه وغير ذلك ردوه.

• حب العالم دينٌ يدان به
قال علي رضي الله عنه لكميل بن زياد: (محبة العالم دين يدان بها)، وقد جاء في الأثر المعروف: (كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً لهم، ولا تكن الخامسة فتهلك).
وبغض العالم مهلكة؛ لأن بغضهم يوجوب حب هلاكهم ومن أحب هلاكهم فقد أحب أن يطفأ نور الله في الأرض ويظهر فيها المعاصي والفساد، فيخشى أن لا يرفع له مع ذلك عمل كما قال الثوري وغيره من السلف.
ولهذا المعنى كان أشد الناس عذاباً من قتل الأنبياء؛ لأنه سعى في الأرض بالفساد ومن قتل عالماً فقد قتل خليفة نبي فهو ساع في الأرض بالفساد أيضاً.
قال تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم).
فقرن الله بين قتل الأنبياء وقتل العلماء الآمرين بالمعروف.

• قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (زيادة المعرفة بما أنزل الله على رسوله توجب زيادة المعرفة بالله والإيمان به، وجنس المعرفة بالله والإيمان به أفضل من جنس العمل بالجوارح والأركان، ولكن من لا علم له تعظم في نفسه العبادات على العلم؛ لأنه لا يتصور حقيقة العلم ولا شرفه، ولا قدرة له على ذلك، وهو يتصور حقيقة العبادات وله قدرة على جنسها في الجملة.
ولهذا تجد كثيراً ممن لا علم لديه يفضّل الزهد في الدنيا على العلوم والمعارف وسببه ما ذكرناه.
وهو أنه لا يتصور معنى العلم والمعرفة، ومن لا يتصور شيئاً لا يقر في صدره عظمته، وإنما يتصور الجاهل بالعلم حقيقة الدنيا، وقد عظمت في صدره، فعظم عنده من تركها).

• شبه الله العالم بالقمر ليلة البدر وشبه العابد بسائر الكواكب وذلك أن الكواكب لا تسير ولا يهتدى بها فهي بمنزلة العابد الذي نفعه مقصور على نفسه بخلاف القمر ليلة البدر فإن نوره يشرق على أهل الأرض جميعاً فيعمهم نوره فيستضيئون بنوره ويهتدون به في مسيرهم.

• قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (أفضل العلم العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والرضا عنه والاشتغال به دون خلقه).

• قال الشافعي - رحمه الله -: (من قرأ القران عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن تفقه نبل قدره، ومن تعلم العربية رقّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزلرأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه).

وفي هذا قال الجرجاني - رحمه الله -:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا
محياه بالأطماع حتى تجهما

"مجموع رسائل الحافظ ابن رجب" (1 / 41 - 59).

الجمعة، 13 نوفمبر 2015

مقارنة يسيرة بين أبناء الدعوة السلفية وبين (الإخوان وبني علمان)


من خلال هذه المقارنة أبين أوجه التقارب بين جماعة الإخوان المسلمين وما تفرع عنها من جماعات حزبية ضالة وبين العلمانيين، فإنهم زعموا كذباً وزوراً أن أبناء الدعوة السلفيين يدافعون عن العلمانية حتى قال قائلهم: (ليبروجامية) كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً، وإليك شيئاً من هذه المقارنة:    
1- السلفيون يرون أن نظام الحكم في الشريعة الإسلامية محصور في ثلاثة طرق، اثنان بالاختيار وواحد بالاضطرار، فولاية العهد والشورى بالاختيار والتغلب بالاضطرار.
بينما الإخوان يرون أن طريقة الحكم محل اجتهاد وغير محصورة في هذه الطرق فقط وعليه رحبوا بالنظام الغربي الديمقراطي.
وفرح بذلك بنوا علمان!!
2- السلفيون دليلهم في ذلك الإجماع وعمل السلف الصالح هو هديهم، عضوا عليه بالنواجد كما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم فلم يحرفوا ولم يبدلوا.
أمَّا الإخوان وبنوا علمان فدليلهم الهوى وحب الشهوات وضربوا بهدي السلف عرض الحائط، وهمهم أن يرضوا اليهود والنصارى وصدق الله إذ يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وصدق النبي المصطفى حينما قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه) فقلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن؟).
3- الشورى عند السلفيين محصورة في أهل الحل والعقد ولهم أدلة منها: فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما جعل الأمر في الستة الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض المبشرون بالجنة ولم يجعلها في بقية الأمة.
أمَّا الإخوان فبدلوا وغيروا حتي يرضى عنهم اليهود والنصارى - أمريكا والغرب - فالشورى عندهم هي مشاورة جميع الأمة ولو كانوا أهل بدع وفسقة وجهال، ودليلهم الهوى واتباع الشهوات ونسبوا ما حرفوه لدين الله، ودين الله منهم براء.
وفرح بذلك بنوا علمان!!
4- نظام الحكم في الشريعة الإسلامية أن الحاكم هو الذي بيده القرار، واختلف أهل العلم في وجوب مشاورته لأهل الحل والعقد ولم يختلفوا على أن العمل بها غير ملزم، وعلى هذا فعل السلف، فالخليفة الراشد أبوبكر الصديق رضي الله عنه خالفه الصحابة في إنفاذ جيش أسامة لما ارتدت معظم الجزيرة ومع ذلك لم يلتفت لهم وأنفذ جيش أسامة رضي الله عنه.
أمَّا الإخوان فالقرار عندهم بيد البرلمان ونواب الشعب والحاكم يسمع ويطيع لهم فعكسوا القضية فبدلوا وحرفوا ونسبوا لدين الله ما ليس منه، بل صرح المجرم الغنوشي - عامله الله بعدله - بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو جاء وحكم في زماننا هذا بمثل ما كان يحكم به لعده مستبداً!!
ألا لعنة الله على القوم الظالمين
وفرح بذلك بنوا علمان!!
5- السلفيون يرون أن الاستخلاف - ولاية العهد - تنعقد به الإمامة على تفصيل عندهم وشرطه وجود الشوكة ولو لم تحصل مبايعة من أهل الحل والعقد، ودليلهم في ذلك فعل صديق هذه الأمة مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد استخلفه الصديق وانعقدت له الإمامة وانعقد إجماع الأمة على ذلك، بل من أهل العلم من يرى أن هذه الطريقة هي الأصلح للأمة ومن خالف عده من أهل البدع.
قال أبو العباس القرطبي: (وهذا مما أجمع عليه السلف، ولا مبالاة بخلاف أهل البدع في بعض هذه المسائل فإنهم مسبوقون بإجماع السلف، وأيضاً فإنهم لا يعتد بخلافهم).
أمَّا الحزبيون فيرون أن الاستخلاف مجرد ترشيح ولا تنعقد به الإمامة ودليلهم في ذلك الهوى واتباع الشهوات فبدلوا وحرفوا.
وفرح بذلك بنوا علمان!!
6- السلفيون يرون جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل، فقد أجمع أهل السنة على هذا، بل ذهب إليه بعض أهل البدع.
ومما يدل على جوازه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين) يعني: أبا عبيدة وعمر وأبو بكر أفضل منهما بلا شك ولم ينكر عليه الصحابة ذلك، بل دعت الأنصار إلى بيعة سعد بن عبادة مع وجود من هو أفضل منه.
وعهد علي رضي الله عنه بالخلافة للحسن من بعده وسلمها الحسن لمعاوية رضي الله عنهما وفي بقايا الصحابة من هو خير من الحسن ومعاوية - بلا خلاف - ممن أنفق قبل الفتح وقاتل ولم ينكر عليهما أحد.
قال ابن حزم - رحمه الله - : (وهذا إجماع متيقن بعد إجماع على جواز إمامة من غيره أفضل بيقين لا شك فيه إلى أن حدث من لا وزن له عند الله تعالى فخرقوا الإجماع بآرائهم الفاسدة بلا دليل ونعوذ بالله من الخذلان).
وخالف في ذلك الإخوان فحرفوا وبدلوا وقالوا لابد من مشاورة الأمة لاختيار الأفضل فإن كل فئة عند الانتخابات لن يرشحوا إلا من هو أفضل!!
وفرح بذلك بنوا علمان!!
7- سنة التغيير:
السلفيون يرون أن التغيير يكون بالرجوع لدين الله والاستغفار والإنابة والسكينة والتضرع إليه سبحانه فهو الذي بيده مقاليد الأمور ويعلمون أن ما أصابهم من ظلم الحكام وجورهم إنما هو بسبب ذنوبهم، وتسليط الله الحكام عليهم إنما هو بلاء منه سبحانه واختبار ليعلم الصادق المطيع من الكاذب العاصي.
قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون).
ولمَّا تسلط الحجاج على الناس في زمن الحسن البصري وتذمروا من ولايته قال لهم: (إن الحجاج عقوبة من الله لكم عز وجل لم تك فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف ولكن استقبلوها بتوبة وتضرع واستكانة وتوبوا تكفوه).
أمَّا الإخوان المفلسون فصاحوا وزمجروا وقالوا لا نرضى سياسة العبيد بل نسفك الدماء وننتهك الأعراض ونسرق الأموال حتى نغير حال الأمة، فلا لدين الله أقاموا ولا لمنهج السلف صانوا، بل حرفوا وبدلوا وسموا الأمور بغير مسمياتها، فقالوا عن الخروج وشق عصا المسلمين ثورة وإصلاح (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألآ إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون), وهدموا وصية الحبيب في البلد الأمين والشهر الحرام والموقف العظيم (إِنَّ دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا فِي شهركم هذا، فِي بلدكم هذا).
ومثلهم الأعلى ودربهم الذي يقتدون به ثورة بني الأصفر، فلا لدين الله أقاموا ولا لأعراض الموحدين صانوا.
وفرح بذلك بنوا علمان!!
8- السلفيون يرون السمع والطاعة لمن ولاه الله أمرهم إلا إذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة في تلك المعصية، ولا ينابذونه في ولايته بل ينصحوا له، وطريقتهم في نصحه الأصل أن تكون سراً ولا يجوز أن تكون في العلن إلا إذا دعت المصلحة لذلك، وتكون أمامه لا خلفه كما دلت النصوص على ذلك.
أمّا الإخوان المسلمون فقالوا: لا سمع ولا طاعة إلا للإمام الأعظم، بل ننكر عليهم علانية، بالمظاهرات والاعتصامات، ولا سمع ولا طاعة حتى يقوم العدل في الأمة، وهذا هو الأصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن زعم أن النصح للإمام إنما يكون سراً فهو منافق!!
ومما استدلوا به حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى أمير فأمره ونهاه وقتله)، والجواب عليه أن يقال: إن العلماء قد تنازعوا في صحة هذا الحديث، وعلى القول بصحته فهو خارج محل النزاع، وذلك أن البحث في الإنكار عليه وراءه في مجامع الناس وفوق المنابر، أمَّا الإنكار عليه أمامه فجائز مع مراعاة المصالح في ذلك، إذ الدين قائم على جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها. 
وفرح بذلك بنوا علمان!!

هذا ما يسَّر الله كتابته، فاللهم اجعله خالصاً لوجهك الكريم، ونافعاً لعبادك المخلصين.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات 

كتبه: صبري المحمودي
29 . 1 . 1437 هجري