﷽
• ازدحم الناس مرة على باب الحسن البصري لطلب العلم فأسمعهم ابنه كلاماً، فقال الحسن: مهلاً يا بني وتلا هذه الآية:
(وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة).
وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي ﷺ وصاهم بطلبة العلم والمتفقهين في الدين.
وأخرج الترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (إن الملائكة تضع أجنحتها رضىً لطالب العلم).
• جاء في "المسند" عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا طمست النجوم أوشك أن تضل الهداة).
• شبه النبي ﷺ العلماء بالنجوم وهذا تشبيه في غاية المطابقة وذلك أن النجوم في السماء فيها ثلاث فوائد:
1- يهتدى بها في الظلمات وكذلك العلماء يهتدى بهم في الظلمات.
2- زينة للسماء وكذلك العلماء هم زينة للأرض.
3- رجوم للشياطين الذين يسترقون السمع منها وكذلك العلماء هم رجوم للشياطين الذين يخلطون الحق بالباطل ويدخلون في الدين ما ليس منه من أهل الأهواء والبدع.
• العلم النافع هو ما باشر القلب فأوقف فيه معرفة الله تعالى وعظمته، وخشيته وإجلاله، وتعظيمه ومحبته، ومتى سكنت هذه الأشياء في القلب خشع فخشعت الجوارح كلها تبعاً لخشوعه.
وأول ما يذهب من العلم العمل به وفسر الصحابة العلم بالعمل الباطن وهو الخشوع كما روي عن حُذيفة رضي الله عنه: (إن أول ما يرفع من العلم الخشوع).
وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان يقول: (إني أعوذ بالله من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع).
فالعلم الذي لا يوجب الخشوع للقلب هو علم غير نافع.
• قسم العلماء العلم إلى باطن وظاهر:
فالباطن: ما باشر القلوب فأثمر لها الخشية والخشوع والتعظيم والإجلال والمحبة والأنس والشوق.
والظاهر: ما كان على اللسان فبه تقوم حجة الله على عباده.
كتب وهب بن منبه لمكحول: (إنك امرؤ قد أصبت بما ظهر لك من علم الإسلام شرفاً فاطلب بما بطن من علم الإسلام محبة وزلفى).
ومراد وهب بالعلم الباطن هو العلم الذي يباشر القلوب فيحدث لها الخشية والإجلال والتعظيم وأمره أن يطلب بهذا المحبة من الله والقرب منه والزلفي لديه.
وأما العلم الظاهر فهو حجة الله على بني آدم كما قال النبي ﷺ: (والقرآن حجة لك أو عليك).
• وكان الثوري وغيره يقسمون العلماء إلى ثلاثة أقسام:
1- عالم بالله وهم أصحاب العلم الباطن الذين يخشون الله وليس لهم اتساع في العلم الظاهر.
وهؤلاء يخشى عليهم لقلة ما عندهم من العلم الظاهر فيسهل على الشياطين التلاعب بهم.
2- عالم بأوامر الله وهم أصحاب العلم الظاهر وليس لهم خشية ولا خشوع وقد ذمهم السلف.
3- عالم بالله وبأوامره وهم من جمع بين الأمرين وهم خلاصة الخلق وأفضل الناس بعد الرسل وهم خلفاء الرسل حقاً.
فمن معين السنة والكتاب يستقون وبهما يعملون فما وافقهما قبلوه وغير ذلك ردوه.
• حب العالم دينٌ يدان به
قال علي رضي الله عنه لكميل بن زياد: (محبة العالم دين يدان بها)، وقد جاء في الأثر المعروف: (كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً لهم، ولا تكن الخامسة فتهلك).
وبغض العالم مهلكة؛ لأن بغضهم يوجوب حب هلاكهم ومن أحب هلاكهم فقد أحب أن يطفأ نور الله في الأرض ويظهر فيها المعاصي والفساد، فيخشى أن لا يرفع له مع ذلك عمل كما قال الثوري وغيره من السلف.
ولهذا المعنى كان أشد الناس عذاباً من قتل الأنبياء؛ لأنه سعى في الأرض بالفساد ومن قتل عالماً فقد قتل خليفة نبي فهو ساع في الأرض بالفساد أيضاً.
قال تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم).
فقرن الله بين قتل الأنبياء وقتل العلماء الآمرين بالمعروف.
• قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (زيادة المعرفة بما أنزل الله على رسوله توجب زيادة المعرفة بالله والإيمان به، وجنس المعرفة بالله والإيمان به أفضل من جنس العمل بالجوارح والأركان، ولكن من لا علم له تعظم في نفسه العبادات على العلم؛ لأنه لا يتصور حقيقة العلم ولا شرفه، ولا قدرة له على ذلك، وهو يتصور حقيقة العبادات وله قدرة على جنسها في الجملة.
ولهذا تجد كثيراً ممن لا علم لديه يفضّل الزهد في الدنيا على العلوم والمعارف وسببه ما ذكرناه.
وهو أنه لا يتصور معنى العلم والمعرفة، ومن لا يتصور شيئاً لا يقر في صدره عظمته، وإنما يتصور الجاهل بالعلم حقيقة الدنيا، وقد عظمت في صدره، فعظم عنده من تركها).
• شبه الله العالم بالقمر ليلة البدر وشبه العابد بسائر الكواكب وذلك أن الكواكب لا تسير ولا يهتدى بها فهي بمنزلة العابد الذي نفعه مقصور على نفسه بخلاف القمر ليلة البدر فإن نوره يشرق على أهل الأرض جميعاً فيعمهم نوره فيستضيئون بنوره ويهتدون به في مسيرهم.
• قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (أفضل العلم العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والرضا عنه والاشتغال به دون خلقه).
• قال الشافعي - رحمه الله -: (من قرأ القران عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن تفقه نبل قدره، ومن تعلم العربية رقّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزلرأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه).
وفي هذا قال الجرجاني - رحمه الله -:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا
محياه بالأطماع حتى تجهما
"مجموع رسائل الحافظ ابن رجب" (1 / 41 - 59).